Thursday, 23 February 2017

الرسالة الثالثة

أعلم أنني قد أطلت الغياب، أشهر قد مضت منذ آخر رسالة كتبتها إليك، أعلم أيضا أنني  قد وعدتك بأن أخبرك بما يحدث معي، و لم أفعل، لا أدري إن كان ذلك لأنني لم أجد ما يستحق أن أقصه عليك، أم أنني وجدت، و لكني لم أرغب في الحديث عنه.

 رأيتك بالأمس و قد كنت في كامل بهاءك، و لكن ذات الغيمة الكثيفة كانت تحيط بك لتغتال نورك الذي أتوق لرؤية وهجه الأخاذ، و لكني لم أكن أعلم إن كانت تلك الغيمة التي تحول بيني و بينك كانت ماثلة فوقك حقا، أم أنها كانت مجرد إنعكاس لغيمة أخرى تكمن بداخلي أنا.

يحدث كثيرا أن تحكم غيمة ما قبضتها على أرواحنا، و لكن ليست غيمتنا كتلك التي بالسماء، فغيمتنا قد تأتي على هيئة أحداث و مواقف حياتية نشعر بها تهدد وهجنا و سلام أرواحنا، و أحيانا تتمثل في صورة أشخاص، يجعلوننا نبهت و نذبل كل يوم أكثر من ذي قبل، لنتبدل و نصبح أشخاصا آخرين غير ما نحن عليه.

بالأمس رأيتك و قد كنت تصارع غيمتك، فتنتصر تارة، و ينجلي نورك الأخاذ، و لكن ما تلبث أن تفعل، و تضئ ليلي المعتم، حتى تنهزم تارة أخرى، لتختفي و كأنك لم تكن، تستسلم حينا، ثم تقهر ظلامك حينا آخر، لتعود و تسطع كما لم تفعل من قبل.

يحدث كثيرا أن نضعف و ننكسر، نتألم و نستسلم لآلامنا، حتى نظن أن النهاية قادمة لا محالة، و أن دقات قلوبنا، و أنفاسنا الصادرة من صدورنا، هي ما يحول بيننا و بين أن نكون في تعداد الأموات، فلا فارق كبير بين الأمرين.

و لكن قد يجد المرء في لحظة ما، ما يجعله يتشبث و لو بفتات من الأمل، قد يتغلب على أوجاعه أحيانا، ثم يعود و يخفق من جديد، و لكن إن لم يستطع اليأس أن ينال من عزيمته، ليعود و يحاول التغلب على ما أصابه مرة أخرى، فقطعا ذات مرة سينهزم اليأس أمام الإصرار المستميت، ليجد المرء نفسه قد إنتصر بالفعل و علا فوق جروحه، دون أن يترك مجالا لأي إخفاق جديد، ثم يعود و ينظر بمرآته، ليكتشف أنه قد بدد غيمته، التي لولاها لما أصبح أقوى و أجمل، و أنه من دونها، لم يكن ليرى بعينيه تلك النظرة الواثقة التي إستعادها بعد أن كانت كسيرة و خاوية، لتعود عينيه و تلمع بإنتصارها، تماما كحالك عندما تتوهج ساطعا رغما عن ظلمة غيمتك.

نحن لا نختلف عنك كثيرا، و تقلب أحوالك ما هو إلا إنعكاس لتقلب أحوالنا، يطرأ علينا ما يطرأ عليك، تخفي الغيوم وهجنا، و لكن محال أن يدوم الظلام، فحتما سينقشع و يزول.

نحن نظن دائما أن الغيمة التي تصيب أرواحنا، لا تأتي إلا بالسوء، لكن بعد ذلك ندرك أن علينا أن نكون ممتنين إليها، لأن لولاها لما تذوقنا شهد الأمل بعد أن تجرعنا مرارة اليأس، و لما عرفنا كيف تكون الحياة بعد أن كادت أرواحنا أن تتقبل الموت.

أيها القمر، كلما نظرت إليك، إكتشفت عن نفسي حقيقة جديدة لم أكن قد إنتبهت لها من قبل، ألم أقل لك من قبل أنك مرآة لكل ما يجوب بداخلنا؟؟

سأعود لأكتب إليك عن قريب، و إن تأخرت، فلا تقلق،فلا شئ يحدث أكثر مما يصيبك من تغير الأحوال، التي تنتهي دائما بإكتمالك و بزوغ نورك في سماء الليالي المعتمة، كما سأكون أنا حتما، يوم أستطيع أن أنتصر، و أتغلب على غيمتي.

Thursday, 19 January 2017

زي الأفلام

كتير بنشوف إننا في حياتنا ممكن نكون عدّينا بحاجات غريبة أو ماتتصدقش، فلما بنيجي نتكلم عليها، بنلاقي نفسنا غالبا مش بنوصفها غير بجملة واحدة " حاجة كدة زي الأفلام "
بس السؤال بقى هو إحنا ليه بنربط بين الأفلام و الحاجات اللي ماتتصدقش؟ و هي أصلا الأفلام حكاياتها بتيجي منين غير من حياتنا و حياة ناس كتير غيرنا حصلتلهم شوية حاجات لو حد كان حكاهالهم قبل ما تحصلّهم كانوا حايقولوا عليها ماتتصدقش؟

كل واحد فينا حياته عبارة عن فيلم، فيلم هو بطله الأول، و مدّته هي عمره، يبدأ أول ما ييجي الدنيا، و يخلص بخروجه منها، فيلم فيه صراع و فيه أمل، فيه مشكلة و فيه حل، فيه نجاح و فيه فشل، ساعات يبقى شيّق و ساعات بيبقى رتيب و ممل، و ساعات مايخلاش برضه من حبة كده
cliché
  فيلم كل مشهد فيه ممكن يبقى له لون مختلف عن المشهد اللي قبله، شوية كوميدي و شوية تراجيدي، شوية رومانسي و شوية أكشن، و مش بعيد كمان يبقى شوية رعب 

كل واحد مننا بيقابل في حياته ناس بيبقوا جزء من الفيلم بتاعه، منهم اللي دوره بيخلص بدري، و منهم اللي بيكمّل لنص الفيلم، و منهم اللي بيفضل موجود لحد آخر مشهد، بس الأكيد إن كل دور فيهم، و مهما كان صغير، مهم، و مهما كان فيهم ناس كنا نتمنى إننا مانقابلهمش خالص، إلا إن مفيش دور مالوش لازمة، مهما كان حلو أو وحش، و فكرة إننا نلغي الأدوار أو نقطع الصفحات مش حل، بالعكس، لإن من غيرهم، عُمر الفيلم ما كان حايبقى نفس الفيلم، ولا إحنا عمرنا ما كنا حانبقى نفس الأشخاص اللي إحنا عليها دلوقتي، كله موجود لسبب، و مهما كان صعب علينا دلوقتي فهمه، بس الأكيد إنه موجود، و مسيرنا نفهمه حتى و لو في آخر الفيلم.

بس الفرق إن الفيلم بتاعنا فكرة التغيير أو التعديل فيه مش واردة، ولا ينفع نرجع بيه لمشهد إحنا عايزين نتفرج عليه أو بمعنى أصح نعيشه تاني، ولا نطلع بيه لقدام لما نزهق و نبقى عايزين نعرف إيه اللي حايحصل بعد كده، كل مشهد حلو حانعيشه لازم نبقى فاهمين إننا ماعندناش إختيار إننا نعيشه تاني، فانعيشه بكل طاقتنا و لآخر لحظة فيه، و المشهد الوحش يمكن نكون ماينفعش نهرب منه، أو نعدّيه، بس مسيره حايخلص، حايخلص وقت ما ربنا يبقى كاتبله إنه يخلص، كله في وقته، مظبوط بالدقيقة و بالثانية، و كله ليه ميعاده اللي مش حاييجي غير فيه، لا حاييجي متأخر ولا بدري.

ركّز أوي في الفيلم بتاعك، و خليك دايما فاكر إنه مافيهوش مونتاج، فحاول ماتكونش محتاجه، ماتسيبش فرصة للندم على كلمة إتقالت، أو حتى ماتقالتش، حاجة لو رجع بيك الزمن مش حاتعملها، أو حاجة كان نفسك تعملها و ماعملتهاش، حاول ماتسيبش مجال للفرص الضايعة إنها تخلّيك تكره فيلمك و تبقى خايف تتفرج عليه، إكتب دورك بالشكل اللي يرضيك، الشكل اللي إنت تشوفه مناسب ليك، و تبقى حابب إنك تحكيه لولادك، عيشه بكل تفاصيله، الحلو منها و المُر، و ماتستغربش لما يحصلّك حاجة زي الأفلام، صدّق، عشان حياتك فعلا مش زي الأفلام ولا حاجة، دي فيلم بجد.