Friday, 19 April 2019

كواليس الحكايا


توجهت بالأمس إلى عملي و أنا شبه مستيقظة، أحاول جاهدة أن أتغلب على ذلك النعاس المسيطر على جفوني في إصرار، و في الطريق لم يكن يصاحبني سوى صوت هبة طوجي الذي كان يعلو أحيانا في محاولة بائسة لإيقاظي، تلك المحاولة التي ظلت دون جدوى، إلى أن أجبرتني على ذلك بمجرد أن بدأت تغني

" على المحطة لمحته اتطلع فيّ كتير.."



أعادتني هذه الكلمات إلى ثلاث أعوام مضت، عندما استمعت إلى هذه الأغنية لأول مرة عن طريق الصدفة، حين كنت أستقل قطار ينقلني من مدينة "ميلانو" بإيطاليا إلى مدينة "نابولي"، تعجبت آنذاك من تلك المصادفة الغريبة التي جعلتني أستمع إلى أغنية للمرة الأولى تقص حكاية فتاة
تستقل قطار في بلد غريب، ثم تلتقي بشخص يثير فضولها طوال الرحلة دون أن تعلم عنه أي شيء، و لمفاجأتي وجدته يمكث على بعد عدة مقاعد مني و كأنه قفز لتوّه من الأغنية إلى القطار.


مازلت أذكر ذلك الرجل الأربعيني ذو الشعر الرمادي و العينين الخضراوتين، و الذي كان يجلس برفقة صديق له يتجاذبان أطراف الحديث، و بيده سيجارته التي ما تلبث أن تنتهي حتى يشعل غيرها، أخذت أتأمل ذلك الرجل الذي بدا لي حينها كأبطال الروايات، ليس لبهاءه أو لمظاهر الترف التي كانت تبدو عليه، بل على العكس، ربما كان مظهره أبسط من العادي، و لم تكن ضحكاته التي أخذ يطلقها بين حين و آخر هي التي جعلتني أشعر أنه يعيش حياة سعيدة، و لكن نظراته و ملامح وجهه كانت تأكد لي في كل لحظة أن سعادة ذلك الرجل لم تكن قَدَر بل اختيار، إختيار من واجه الكثير من صعوبات الحياة، و لكنه أبى أن يسمح لها بهزيمته، و لم تأتِه على طبق من فضة، و لكنه اجتذبها من بين أنياب الألم و الإنكسار، و كأنه قرر أن ينأى بنفسه عن كل ذلك، و ألا يُضيع يوم من حياته دون أن يقضيه سعيدا.



ربما تكون قصته الحقيقية تختلف تماما عما دار بمخيلتي آنذاك، و لكنه هكذا ألهمني لكتابة قصتي التي إنتهيت منها بمجرد عودتي من الرحلة، و التي كان هو بطلها، أتذكر هذه القصة الآن، و أفكر أنني إن كان يتثنى لي أن أكتب لهذه القصة إهداء، لكان سيصبح " إلى الغريب الذي لم يكن يعلم أنه بينما كان في طريقه إلى نابولي، أصبح بطلا لقصة لن يقرأها أبدا"



إستوقفني هذا الإهداء، و الذي أثار بداخلي سؤالا لم يخطر ببالي من قبل، تُرى كم مرة كنا جزءا من قصة أحدهم دون أن ندري؟ قد ندرك أحيانا أننا ربما نكون في رواية آخرين الأفضل، أو الأسوأ، أربما لا شيء على الإطلاق، فكلٌ يحكي قصته من منظوره، و لكل شخص منظور يجعل القصة ذاتها تختلف دائما من حيث المحتوى و الأبطال، قد تلعب دور محوريّ في حياة البعض، و ثانوي في حياة
آخرين، و بين قصة و أخرى لن تكون ذات الشخص في كل الحكايات أبدا، و لكن ماذا لو لم تكن تعلم عن وجودك كأحد أطراف القصة، إن لم تكن بطلها منذ البداية؟


وصلت إلى عملي بعد أن نجح صوت هبة طوجي و أفكاري التي ظلت تتلاعب بي طوال الطريق أخيرا في إيقاظي، و لكني ظللت شاردة بين ما أعرفه، و ما بالكاد أعرفه، و ما لن أعرفه أبدا، ليس لشيء سوى أننا مهما تمكنّا من المعرفة، و مهما استحوذ علينا الفضول، لن يفلح في أحيان كثيرة، خصوصا بالحكايات

التي لم نعرف عن وجودها من الأساس، تماما كذلك الغريب في قصتي، فلكل حكاية كواليس، و علينا أن نستسلم لواقع أننا قد نعيش طوال حيواتنا و نحن نجهل كواليس الحكايا، حتى و إن كنا أحد أبطالها.








Thursday, 23 February 2017

الرسالة الثالثة

أعلم أنني قد أطلت الغياب، أشهر قد مضت منذ آخر رسالة كتبتها إليك، أعلم أيضا أنني  قد وعدتك بأن أخبرك بما يحدث معي، و لم أفعل، لا أدري إن كان ذلك لأنني لم أجد ما يستحق أن أقصه عليك، أم أنني وجدت، و لكني لم أرغب في الحديث عنه.

 رأيتك بالأمس و قد كنت في كامل بهاءك، و لكن ذات الغيمة الكثيفة كانت تحيط بك لتغتال نورك الذي أتوق لرؤية وهجه الأخاذ، و لكني لم أكن أعلم إن كانت تلك الغيمة التي تحول بيني و بينك كانت ماثلة فوقك حقا، أم أنها كانت مجرد إنعكاس لغيمة أخرى تكمن بداخلي أنا.

يحدث كثيرا أن تحكم غيمة ما قبضتها على أرواحنا، و لكن ليست غيمتنا كتلك التي بالسماء، فغيمتنا قد تأتي على هيئة أحداث و مواقف حياتية نشعر بها تهدد وهجنا و سلام أرواحنا، و أحيانا تتمثل في صورة أشخاص، يجعلوننا نبهت و نذبل كل يوم أكثر من ذي قبل، لنتبدل و نصبح أشخاصا آخرين غير ما نحن عليه.

بالأمس رأيتك و قد كنت تصارع غيمتك، فتنتصر تارة، و ينجلي نورك الأخاذ، و لكن ما تلبث أن تفعل، و تضئ ليلي المعتم، حتى تنهزم تارة أخرى، لتختفي و كأنك لم تكن، تستسلم حينا، ثم تقهر ظلامك حينا آخر، لتعود و تسطع كما لم تفعل من قبل.

يحدث كثيرا أن نضعف و ننكسر، نتألم و نستسلم لآلامنا، حتى نظن أن النهاية قادمة لا محالة، و أن دقات قلوبنا، و أنفاسنا الصادرة من صدورنا، هي ما يحول بيننا و بين أن نكون في تعداد الأموات، فلا فارق كبير بين الأمرين.

و لكن قد يجد المرء في لحظة ما، ما يجعله يتشبث و لو بفتات من الأمل، قد يتغلب على أوجاعه أحيانا، ثم يعود و يخفق من جديد، و لكن إن لم يستطع اليأس أن ينال من عزيمته، ليعود و يحاول التغلب على ما أصابه مرة أخرى، فقطعا ذات مرة سينهزم اليأس أمام الإصرار المستميت، ليجد المرء نفسه قد إنتصر بالفعل و علا فوق جروحه، دون أن يترك مجالا لأي إخفاق جديد، ثم يعود و ينظر بمرآته، ليكتشف أنه قد بدد غيمته، التي لولاها لما أصبح أقوى و أجمل، و أنه من دونها، لم يكن ليرى بعينيه تلك النظرة الواثقة التي إستعادها بعد أن كانت كسيرة و خاوية، لتعود عينيه و تلمع بإنتصارها، تماما كحالك عندما تتوهج ساطعا رغما عن ظلمة غيمتك.

نحن لا نختلف عنك كثيرا، و تقلب أحوالك ما هو إلا إنعكاس لتقلب أحوالنا، يطرأ علينا ما يطرأ عليك، تخفي الغيوم وهجنا، و لكن محال أن يدوم الظلام، فحتما سينقشع و يزول.

نحن نظن دائما أن الغيمة التي تصيب أرواحنا، لا تأتي إلا بالسوء، لكن بعد ذلك ندرك أن علينا أن نكون ممتنين إليها، لأن لولاها لما تذوقنا شهد الأمل بعد أن تجرعنا مرارة اليأس، و لما عرفنا كيف تكون الحياة بعد أن كادت أرواحنا أن تتقبل الموت.

أيها القمر، كلما نظرت إليك، إكتشفت عن نفسي حقيقة جديدة لم أكن قد إنتبهت لها من قبل، ألم أقل لك من قبل أنك مرآة لكل ما يجوب بداخلنا؟؟

سأعود لأكتب إليك عن قريب، و إن تأخرت، فلا تقلق،فلا شئ يحدث أكثر مما يصيبك من تغير الأحوال، التي تنتهي دائما بإكتمالك و بزوغ نورك في سماء الليالي المعتمة، كما سأكون أنا حتما، يوم أستطيع أن أنتصر، و أتغلب على غيمتي.

Thursday, 19 January 2017

زي الأفلام

كتير بنشوف إننا في حياتنا ممكن نكون عدّينا بحاجات غريبة أو ماتتصدقش، فلما بنيجي نتكلم عليها، بنلاقي نفسنا غالبا مش بنوصفها غير بجملة واحدة " حاجة كدة زي الأفلام "
بس السؤال بقى هو إحنا ليه بنربط بين الأفلام و الحاجات اللي ماتتصدقش؟ و هي أصلا الأفلام حكاياتها بتيجي منين غير من حياتنا و حياة ناس كتير غيرنا حصلتلهم شوية حاجات لو حد كان حكاهالهم قبل ما تحصلّهم كانوا حايقولوا عليها ماتتصدقش؟

كل واحد فينا حياته عبارة عن فيلم، فيلم هو بطله الأول، و مدّته هي عمره، يبدأ أول ما ييجي الدنيا، و يخلص بخروجه منها، فيلم فيه صراع و فيه أمل، فيه مشكلة و فيه حل، فيه نجاح و فيه فشل، ساعات يبقى شيّق و ساعات بيبقى رتيب و ممل، و ساعات مايخلاش برضه من حبة كده
cliché
  فيلم كل مشهد فيه ممكن يبقى له لون مختلف عن المشهد اللي قبله، شوية كوميدي و شوية تراجيدي، شوية رومانسي و شوية أكشن، و مش بعيد كمان يبقى شوية رعب 

كل واحد مننا بيقابل في حياته ناس بيبقوا جزء من الفيلم بتاعه، منهم اللي دوره بيخلص بدري، و منهم اللي بيكمّل لنص الفيلم، و منهم اللي بيفضل موجود لحد آخر مشهد، بس الأكيد إن كل دور فيهم، و مهما كان صغير، مهم، و مهما كان فيهم ناس كنا نتمنى إننا مانقابلهمش خالص، إلا إن مفيش دور مالوش لازمة، مهما كان حلو أو وحش، و فكرة إننا نلغي الأدوار أو نقطع الصفحات مش حل، بالعكس، لإن من غيرهم، عُمر الفيلم ما كان حايبقى نفس الفيلم، ولا إحنا عمرنا ما كنا حانبقى نفس الأشخاص اللي إحنا عليها دلوقتي، كله موجود لسبب، و مهما كان صعب علينا دلوقتي فهمه، بس الأكيد إنه موجود، و مسيرنا نفهمه حتى و لو في آخر الفيلم.

بس الفرق إن الفيلم بتاعنا فكرة التغيير أو التعديل فيه مش واردة، ولا ينفع نرجع بيه لمشهد إحنا عايزين نتفرج عليه أو بمعنى أصح نعيشه تاني، ولا نطلع بيه لقدام لما نزهق و نبقى عايزين نعرف إيه اللي حايحصل بعد كده، كل مشهد حلو حانعيشه لازم نبقى فاهمين إننا ماعندناش إختيار إننا نعيشه تاني، فانعيشه بكل طاقتنا و لآخر لحظة فيه، و المشهد الوحش يمكن نكون ماينفعش نهرب منه، أو نعدّيه، بس مسيره حايخلص، حايخلص وقت ما ربنا يبقى كاتبله إنه يخلص، كله في وقته، مظبوط بالدقيقة و بالثانية، و كله ليه ميعاده اللي مش حاييجي غير فيه، لا حاييجي متأخر ولا بدري.

ركّز أوي في الفيلم بتاعك، و خليك دايما فاكر إنه مافيهوش مونتاج، فحاول ماتكونش محتاجه، ماتسيبش فرصة للندم على كلمة إتقالت، أو حتى ماتقالتش، حاجة لو رجع بيك الزمن مش حاتعملها، أو حاجة كان نفسك تعملها و ماعملتهاش، حاول ماتسيبش مجال للفرص الضايعة إنها تخلّيك تكره فيلمك و تبقى خايف تتفرج عليه، إكتب دورك بالشكل اللي يرضيك، الشكل اللي إنت تشوفه مناسب ليك، و تبقى حابب إنك تحكيه لولادك، عيشه بكل تفاصيله، الحلو منها و المُر، و ماتستغربش لما يحصلّك حاجة زي الأفلام، صدّق، عشان حياتك فعلا مش زي الأفلام ولا حاجة، دي فيلم بجد.

Wednesday, 2 November 2016

عن الفرص الضائعة

أجلس بغرفتي ليلا و قد خلوت إلى نفسي، و دلفت إلى عالمي الصغير، معلنة بداية محاكمتي اليومية، بتلك المحكمة التي ليس بها سواي، أنا وحدي، لأكون بها قاضيا و متهما، نعم، مازلت أعرّض نفسي بنهاية كل ليلة إلى تلك المسائلة التي تنتهي بكوني تارة بريئة و تارة مذنبة، تجلدني دائما أسواط الضمير، و أسئلته عما يجب و ما يصح، و لكن ماذا عن الأسئلة الأصعب؟ تلك الأسئلة التي تبدأ دائما ب " ماذا لو ؟؟
ماذا عن الفرص الضائعة، و كلمة " لو أن " التي قيلت مرارا و لم تغير من الأمر شيئا ؟ ماذا عما تمنينا أن نفعله و لم نفعل، و ما وددنا أن نبوح به و ظل قيد الكتمان أياما و أعوام ؟

أغمض عيناي و أعود بذاكرتي إلى يوم مازلت أذكره جيدا، ذلك اليوم الذي وضعت به رغبات الآخرين فوق رغباتي، و جعلت من أحلامهم قبرا لأحلامي، كان يجدر بدموعي أن تغرقني ذلك اليوم، بدلا من أن تغرق هي بمقلتاي المختنقة بها، تاركة بحلقي تلك الغصّة التي لم تفارقني منذ ذلك الوقت، كنت أعلم أن ثمة خسارة قد حلّت بي، و لكني لم أكن أعلم كم هي فادحة.

أكانت تلك مرّتي الأولى لأقف أمام شبح الندم وجها لوجه ؟ لا أظن، بل كان هناك مرّات سابقة و مرّات تلتها، و لكن كان هناك دائما صفة واحدة تجمعهم دون إستثناء، أن جميعهم كانوا قصصا تفتقر النهاية، أو ربما أجزاء من مسرحية هزلية لم تكتمل فصولها، لم أكن أعلم آنذاك، أكانت تلك الفصول حقا ناقصة ؟ أم كان يجدر بي أن أعدّها قد إكتملت بمجرد بداية الفصول التالية ؟ لا أدري

أسترجع كل ما مررت به، الصور التي أخذت تمر أمام عيني تباعا، و تلك اللحظات التي وددت بالزمن لو يتوقف بي و بهم، تلك التي كنت بها أضعف مما يجب، و أخرى كنت بها أقوى مما أظن، تلك التي تحدّثت بها حتى نفذت الكلمات، و أخرى تلعثمت بها و تعثّر لساني حتى لم يعد للحديث معنى، و لم يعد من الصمت المطبق مفر، تلك التي أصدرت بها أحكاما بإقصاء بعضهم خارج حدود مملكتي، و كانت بمثابة حكم بالإعدام لطالما أصدرته على نفسي، لحظات الرحيل حين رغبت في البقاء، و لحظات اللقاء التي تمنيت لو لم تكن، النظرات المُختَلَسة و المعاني المستترة، الأنفاس المتلاحقة و العَبَرات الحبيسة، الأصوات المضطربة و نبضات القلب الصاخبة، الضحكات الكاذبة و الأحاديث الخاوية، كل ما لم يُقَدّر له أن يكتمل، و ما إكتمل و لم يكن جدير بالإكتمال

كم من الأسئلة المحيّرة و الإجابات المُبهَمة ؟ كم من الأمور جاءت في غير موعدها ؟ و كم عادت، و لكن عودتها لم تكن لتغير من الأمر شيئا ؟ أَقَدَر هو نسير نحوه بخطى ثابتة مسيرين لا مخيرين ؟ أم هو مجرد سوء التصرّف بأمر إخترناه بمحض إرادتنا، و وجب علينا تحمّل عواقبه ؟ هل كان بإمكاننا أن نغير ما حل بنا في الماضي، أم الأمر كله ما هو إلا قطع لأحجية تكمل بعضها البعض لتجعل منّا ما نحن عليه الآن ؟ مَن الجدير بالندم، و من المَدين بالإعتذار ؟ لا أعلم، و لكن ما أعلمه جيدا، أنني و إن كان لي خطيئة وجب الندم عليها، فخطيئتي هي تلك الفرص الضائعة و سوء تقدير الخسارات فيها، و إن كنت مدينة بالإعتذار، فإعتذاري لنفسي، لا لأحد.

Wednesday, 28 September 2016

و للحواس أيضا ذاكرة

أجلس بغرفتي بعد أن يكون قد انتصف الليل، و القمر أوشك على الإنسحاب عائدا أدراجه، مفسحا المجال لشمس يوم جديد، بينما أنا أتقلب يمينا و يسارا في محاولة بائسة للنوم، و لكن عقلي يأبى، معلنا عصيانه، تاركا إياي وجها لوجه أمام ذاكرتي، تماما كقائد جيش تمرد على حاكمه، فأهدى وطنه للعدو على طبق من فضة، نعم قد تكون ذاكرتي هي عدوي الأول، إن لم تكن عدوي الأوحد.

الأحداث تمر أمام عيني تباعا، الصور تتلاحق، أتوسل لتلك الأصوات العالقة بأذني أن تصمت، و لكن دون جدوى، فأنهض باحثة عن قلمي و حفنة الأوراق التي أتعمد أن أتركها بالقرب مني دائما إستعدادا لهجمات الذاكرة المفاجئة، أو ربما لمواجهة أي نوبة من نوبات الحنين.

أمسك بقلمي الذي ليس لي من منجٍ بهذه الأوقات سواه، و لكني ما ألبث أن أمسك به حتى يصبح كأسير لتوّه قد حطم قيده، فيسترسل و يسترسل، يصرخ و ينزف، ليلطّخ أوراقي البيضاء بحبره الأسود محملا إياها عبء كلماته، و أنين مكتوم بين حروفه و طيات صفحاته.

عقلي تستنزفه الأفكار، صدري قد ضاق بأنفاسه، و ما من سبيل لنجاتي سوى أن أكتب، و ها أنا أكتب :

" أتساءل دائما، كيف يؤذينا من الذكرى الطيب منها و البغيض على حد السواء ؟ ألا يجدر بالذكرى السيئة وحدها أن تؤلمنا، بينما تترك الذكرى الطيبة بدورها أثرها الطيب في نفوسنا ؟
و لكن الواقع أن كلاهما موجع، بل على العكس، قد تؤلمنا الذكرى الطيبة حين نعي أن ما من طريق يعيدها إلينا، فكل السبل مغلقة، و كل الفرص ضائعة، بينما قد نستطيع أن نجد تحت أنقاض الماضي البغيض، أشياء تجعلنا نبتسم رغم الألم، فثمة أخطاء لا نندم على اقترافها، فلربما كانت سر سعادتنا بوقت لم نكن ندرك بعد أنها أخطاء.

ترهق الذكرى أمثالي من البشر، أولئك اللذين يتناسوا ولا ينسون، يتجاهلوا و هم للحقيقة مدركون، يتشبثوا ولا يفلتون، أعلم أنني من خلقت لنفسي من الذكرى أشباحا، و لكن ربما يرجع ذلك إلى إدمان التفاصيل، تلك التفاصيل التي تتسلل إلى قلبي فتسطونه، و تتمكن من عقلي فتستحوذ عليه، فلا أجد نفسي سوى عاجزة، لا قوة لها ولا سلطان على صد ما يلحق بها من أذى إثر ذلك الإدمان.

أتأمل تلك الصور المتناثرة على جدران غرفتي، من وضعها هكذا؟ لا أحد سواي، ظنا مني أن تلك هي الطريقة الأمثل لتخليد اللحظات الفريدة و الأيام الأجمل بحياتي.

إعتدت أن أنظر إلى تلك الصور كلما دلفت إلى غرفتي حتى أصبح يمكنني وصف كل ابتسامة، و كل لفتة بهذه الصور و أنا مغمضة العينين، أنظر إليها و الزهو يملأني، كنت أظن نفسي محظوظة بهم، أما الآن، أصبحت أتحاشى النظر إليها، أنام و قد ولّيت ظهري عنها، لا أعلم سخطا على أصحابها، أم سخطا على نفسي، و إن إلتقت عيناي بها دون قصد، لا أملك سوى أن أبتسم تلك الإبتسامة الساخرة على أيام تبدد كل ما فيها و لم يتبقَ منها سوى عدة  صور.

أعيد النظر إلى أشيائي المبعثرة من حولي، فتصطدم عيناي بأناني العطور الفارغة إلا من بضع قطرات متبقية، أحتفظ بها لأجد دائما ما يحمل لي عبق الأيام كلما اشتقت إليها، أحتفظ بها خوفا من أن تندثر بالهواء كما اندثرت ذكراها من قبل.

لا أعلم كيف تحتفظ أنفي بذاكرة للعطور على مر الأعوام، تلتقطها و تميزها بين العشرات، لدرجة  أصبحت تمكنني من اعتبار العطور بمثابة بصمات لأصحابها، ما تلبث أن تلتقطها أنفي حتى أرى أصحابها يتجسدون أمامي، و تسري بأوصالي رجفة عنيفة يرتعد لها جسدي بأكمله، فأسير بعيدا بعيدا، لا أدري هربا من الذكرى، أم من نفسي، و خوفا من وقوعي تحت سطوة الحنين.

يدفعني الفضول إلى تلك الأدراج المكدسة بأشلاء الماضي، أفتحها لأجد الغبار قد كسى كل ما تحويه، و كأنه يأبى ألا يضعني أمام الحقيقة التي لطالما حاولت تجاهُلها، حقيقة أن تلك الأيام قد انقضت، و لم يعد متبقي منها سوى محتويات هذه الأدراج، من تذاكر للرحلات و القطارات، بعض التذكارات البسيطة التي تكمن قيمتها في شعورك بأنك مررت ببال أحدهم أثناء الغياب و لو لحظات، قطرات قليلة من العطور، و عدة صور.

لا أذكر أنني عدت بيوم من تلك الأيام الفارقة، و لم أحتفظ بشئ يحمل ذكراه مهما كان يبدو بسيطا، حتى أصبحت هذه الأدراج لا تحوي مجرد أوراق متناثرة فحسب، بل تحوي أياما و أعوام.

أعود و أعبث بهاتفي باحثة عن ثمة مقطوعة موسيقية أو أغنية تساعدني على النوم، فلا أجد سوى صوتها الهادئ لينتشلني من ضجيج أفكاري المزعجة، صوت السيدة فيروز، و لكن يأتيني صوتها مباغتا و هي تغرد قائلة:

صباح و مسا شي ما بينتسى
تركت الحب أخدت الأسى 

و كأن كل ما حولي قد اجتمع على أن يفتك بي دون شفقة ولا رحمة، حتى صوتها الحاني بدا لي قاسيا، تُرى ألأن للأصوات و الأغنيات ذاكرة بالآذان أيضا، و الذاكرة لا ترحم ؟ لا أدري، و لكن ثمة أغنيات ترتبط لدينا بالمواقف و الأشخاص، متى استمعنا إليها، و برفقة مَن، أي يوم كان ذلك، و ماذا كنا نرتدي، حتى تصبح بمرور الوقت و كأنها موسيقى لفيلم، و ما ذلك الفيلم سوى حياتنا بإيجاز، حياتنا التي لا تختلف كثيرا  عن الأفلام.

أعلم أن ذاكرتي هي اللعنة التي أصابتني، مازلت أذكر الكلمات كلها، أحفظ التواريخ عن ظهر قلب، الصور تتضاعف، العطور تمتزج و الأصوات تعلو أكثر و أكثر، أخشى يوم أجد الذكريات به قد ازدادت و تراكمت، و أجد نفسي قد صنعت منها بيدي سجنا و قضبانا، سجنا ليس به سواي، أنا وحدي، فأكون به سجينة و سجّانة.

أصبحت أحاول جاهدة ألا تأخذني البدايات، ألا أصنع منها شيئا خاصا، ألا أنبهر، ألا أنتظر أو أتوقع، ألا أضع من أجلها عطرا خاصا، أوألتقط الصور، و ألا أستمع لأغنية دون غيرها حتى لا تكون ذاكرتي حين أرغب في النسيان.

 و أما إن اقترب أحد من عالمي الخاص، فرجاءا قبل أن تقتربوا، ألا تكثروا من التفاصيل، إن لم تكونوا لها أوفياء، و لا تتحدثوا عن الأبدية، إن كان كل شئ سيبقى مؤقتا، و رفقا بالحواس، فللحواس أيضا ذاكرة، و لكن ذاكرتها أعنف و أقسى "

Friday, 2 September 2016

بين عصر السرعة و عشق التفاصيل

 مفيش حد فينا يقدر يقول إننا مش في عصر السرعة, كل حاجة في حياتنا بقت بسرعة، التطور اللي احنا عايشينه خلى كل حاجة بقت سهلة و بسيطة، الدنيا بتجري و الوقت بيعدي هوا، الحب، و الجواز، و الصداقة، كل حاجة، بس السؤال هنا بقى، يا ترى إحنا مبسوطين؟ حاسين بالحياة اللي احنا عايشينها؟ مستطعمين بيها؟ ولا تايهين في الدنيا و دوشتها، و مش بنحس إلا و اليوم بيخلص، و الأسبوع بيمر، و السنين بتعدي

العلاقات بتبدأ بدردشة على الفيس بوك و تنتهي ببلوك، بنعزي و نبارك بلايك، و نعيّد على بعض ببرودكاست، نعمل جروب عشان نتفق على خروجة، و في الآخر أيام الأسبوع كلها ماتنفعش، و نتفق على إننا لازم نظبط حاجة قريب، و نشوف بعض على ،خير إنشاء الله، و حتى لو نجحت المحاولة و اتجمعنا، ساعات كتير نلاقي نفسنا بنقول كلام رتيب عشان نغطي بيه على غرابة القعدة، و ده طبعا في حالة إننا قاعدين بنتكلم يعني، مش ماسكين الموبايلات، و مش بنبص حتى لبعض، ساعتها بنبقى عايزين نسأل نفسنا: طالما القعدة كدة، إحنا نزلنا ليه ؟

ناس كتير أوي فعلا مش سعداء، بس بقوا بيداروا تعاستهم أو وحدتهم  من خلال العالم الإفتراضي ده، بس عشان نقنع الناس إننا مبسوطين، بس المهم إن كل ده يخلينا إحنا نصدق إننا مبسوطين

لكن جرب بقى في وسط قعدة من اللي كله ماسك فيها الموبايلات دي، و فكّر اللي قاعدين معاك بموقف قديم، ضحكة يوم ضحكتوها من قلبكوا، أو يوم حلو من بتوع زمان، مش حاتكمل الجملة إلا و تلاقي كل اللي معاك فاقوا مرة واحدة، و فضلوا يفتكروا حاجات بقالها سنين و سنين

فرحتك و إنت نازل تجيب شنطة المدرسة، الجومة اللي بريحة الفراولة، المسطرة اللي جواها مية و نجوم، الأقلام الملونة و فرحة أول مرة نكتب بالقلم الجاف، الطباشير الملون و الوقفة عالفصل

ليلة الرحلة اللي ماكنش بيجيلنا فيها نوم، كيس الحاجات الحلوة و السندوتشات، بطنك اللي توجعك من الضحك، و رجوع كل واحد بيته و صوته رايح من الغنى في الباص، الدرجات الوحشة في الإمتحانات، و المقالب اللي كنا بنعملها في بعض، حتى التزنيب اللي كان بيقلب بضحك

 شريط عمرو دياب، أيوة شريط، ماهو زمان ماكنش في " سي دي " ولا أغاني بتنزل على النت، أغاني عمرو اللي كنا بنستناها كل صيف لحاد ما بقت مرتبطة عندنا بمواقف، و ذكريات، و وشوش، عمرو دياب ده عمل تاريخ كل واحد من جيلنا، لحاد ما فعلا بقينا بنأرخ كل أحداث حياتنا و حواديتنا تبعا لأغانيه

الصيف كان ليه طعم تاني، اللمة عشان رايحين البحر، و المية اللي كنا مابنطلعش منهل غير بالخناق، السهر للفجر، و لعب الأفلام، و بنك الحظ، و الأونو

الفرحة بلبس العيد، و يوم الوقفة لما كان تليفون البيت يفضل مشغول عشان أمهاتنا بيعيّدوا على القرايب و الجيران، و تكبيرة الصلاة، لمة يوم الجمعة في بيت العيلة، و أول يوم في رمضان، بكار، و سلاحف النينجا، و بوجي و طمطم، المسلسلات الراقية بتاعة زمان، زيزينيا، و هوانم جاردن سيتي، و الضوء الشارد، دقة المسحراتي و طعم القطايف من إيد جدتك، عمك اللي علمك السواقة، و خالتك اللي كانت بتخليكي تحطي ماكياج من عندها

حاجات كتير أوي لو سبت نفسك تفتكرها، حاتلاقي نفسك مش عارف تبطل ضحك، و عينك عمالة تدمع، بس بتبقى مش عارف دي دموع من الضحك، ولا دموع على الأيام اللي راحت و مش راجعة

لو ركزت شوية حاتلاقي إن التفاصيل الصغيرة دي هي اللي كانت عاملة لحياتنا طعم، و حس، و روح، و إن حياتنا دلوقتي رغم كل الرفاهية اللي فيها بس خاوية و فاضية، زي بير المية في وسط الصحرا، تفتكره خير وفير، و في الآخر يطلع مسموم، قدامك، بس لا يبل الريق ولا يروي عطش، عيشة ناعمة تفتكرها ألماظ بيضوي، تقرب منها تلاقيها إزاز و فالصو

مش عارفة إيه العلاقة، بس تحس إن مع تطور الدنيا، الخير بيقل، و الروح بينقص منها حتة،تعالى شوف أيام جدودنا،يمكن ماكنش عندهم كل التسهيلات إللي عندنا دلوقتي، بس كانوا مبسوطين بجد، جرب كدة تقعد جنب جدك أو جدتك و تسمع حكاياتهم زمان، يمكن حاتحس قد إيه حياتهم كانت بسيطة بالمقارنة بحياتنا دلوقتي، بس كمان حاتشوف في عينيهم لمعة واضحة و حنين لأيام هما فعلا كانوا محظوظين بيها، ساعتها حاتحس بسحر غريب يخوّفك لا في يوم تبقى قدهم و في مكانهم، بس عينيك مطفية و مش لاقي حاجة تحكيها

مهما كانت الدنيا واخداك، و بعدت عن أهلك و صحابك القدام، لو سبت نفسك لذكرياتك، و رجعت تفتكر، حاتلاقي نفسك فاكر، فاكر كل حاجة، الأيام و التواريخ، كل حاجة محفورة، الأيام دي هي اللي خليتنا الأشخاص اللي إحنا عليها دلوقتي، و هي كمان اللي بتخلينا نستحمل الأيام الصعبة اللي إحنا عايشينها، و في وسط كل المشاكل و الهم اللي شايلينه، نفتكر و نضحك، نضحك كتير

ماتخليش الحياة الزاهية الملونة تسرق عمرك، و تنسيك إن الأيام دي ألوانها قشرة، مهما كانت أيامك صعبة، ضيف عليها من طعمك إنت، لو مالهاش طعم، إزرع فيها من روحك، و إعشق التفاصيل، إعشقها و حسّها بكل حاجة فيك و لحد آخر نفس، و إن مالقتلهاش تفاصيل، إخلقها إنت بإيديك، إخلقها عشان تعرف تعيش

























Tuesday, 30 August 2016

رسالة إلى القمر 2

أتأمل فنجان قهوتي المسائية، و قد جلست بشرفة غرفتي أنظر إليك من جديد، و أنا واقعة تحت سطوة تلك الخيالات التي سيطرت على عقلي، أرشف منها، ثم أرى طيف وجهه الباهت، يتراقص فوق صفتحها البنية لا أدري لماذا، تُرى ألأنه يشبهها ؟ نعم، أعترف لك أنه يشبه قهوتي كثيرا، و لكنه يشبهها مرارة و إدمانا، أنظر إليك و قد بلغت من الحيرة أوجها، متسائلة، لماذا عاد؟ ألم تكن تراه كما تراني ؟ أكنت تراه ساهرا مثلي، أم غافيا، تاركني أناجيك، بينما هو على النوم قد استحوذ ؟ أتُراه عاد مشتاقا إليّ؟ أم شوقا لمتعة مراوغتي و تعذيبي

 كنت أرى لمعة تضئ عينيه بنفاذ صبري، و شبح ابتسامة يلوح على وجهه، و كأنه يتلذذ باحتراقي.

مازلت أذكر آخر لقاء جمعنا، حين عزم على أن يختبر صبري قائلا: " ما كبريائك سوى قناع زائف، متى تستلمين يا مولاتي ؟ "

و لكنني باغته بردّي قائلة: " تظن أن الأيام ستبقيني على حالي، مخطئٌ أنت، لم تبق الأيام من نفسي القديمة سوى فتاتا و رماد، تقول أنني ملكتك، ثم تسألني الإستسلام، ألا تعلم أن الكبرياء هو تاج الملكات، المرصع بلآلئ العزة و الشموخ؟

لا أنكر عليك أن خلف جدران قلبي، سراديب مكدسة بالأسرار، لم يعد يملك مفاتيحها سواي، و لكن ليس السبيل إلى قلبي أن تخلع عني عباءة الكبرياء، لا تطلب مني أن أدنو بكبريائي إن كنت لن تسمو له، و لا تهدم قلعة قلبي المنيعة و تدلف إلى بساتينها اليانعة إن كنت لن تعتني بزهورها، لا تقول أنني بين الزهور أجملهن، ثم تغتال وريقاتي النضرة و تدهس بقاياها تحت قدميك، تاركا ما تبقى من عطري على أصابعك، كقاتل لم تنجُ ثيابه من آثار جريمته،  لا تقترب من جدران روحي المتصدعة إن كنت لا تنوى ترميم شقوقها، لا تقف بعدستك المكبرة فوق نقصي إن لم تكن لنقصاني مكملا، لا تتحدث إن كنت ستجلدني بأسواط كلماتك، و إن كنت ستلقي على مسامعي معسول كلماتك، ثم تبقى قيد الأساطير، فارحل و كن للرحيل مخلصا، لا تترك لي بكل مكان ذكرى إن كنت ستجعل من تلك الذكريات أشباحا، ولا تترك آثار دفء بصماتك فوق كتفي إن كنت ستحرمني إياه و تترك لي بردا و أشواكا، لا تشتهيني كاشتهاء الفاكهة المحرمة ثم تسأم اقترابي، ولا تعبر حدود مملكتي إن كنت ستدخلها كعابر سبيل و  لن تتخذها وطنا، فإن كنت ترغب أن أكون ملكة على عرش قلبك فعليك أن تكون على شيم الملوك قدير"


بذلك اليوم ظل واقفا أمامي، يحدق بي مشدوها، ثم غادر بعد أن تركته يواجه واقعا لم يكن يوما بحسبانه، واقع أنني لم أعد أنا، و أنه بقلبي لم يعد هو، و أننا لم نعد على سابق عهدنا، بل مجرد اثنان التقيا بنقطة، ثم أكمل كل منهما سيره بالإتجاه المعاكس، ربما يجتمعان مرة أخرى، في زمن آخر, و ربما لا، و لكن الأكيد أن ذكرى لقاءهما ستظل وخزا يؤلم روحيهما شوقا تارة و ندما تارة أخرى حتى آخر الدهر.

انتهيت من قهوتي، و غابت عني خيالات وجهه، و لكني أخشي أن يطاردني بأحلامي، فأعود أصارع خيالاته و قسوة نزاعاتي، نزاع قلب حائر و عقل صارم، و نزاع الحقيقة و التمني، و نزاع يأبى ألا يضعنا سوى بمفترق الطرق، نزاعي الأبدي بيني و بينه.

أيها القمر، كن علينا شاهدا، حتى تُذكرني إن التقيت به في زمن بعيد، و عاد يستدرجني شهد الكلمات -إن كانت ستبقى مجرد كلمات- ، إن رأيتني أنزع عن تاجي درر الشموخ، در وجهك عني، و اطفئ نورك المحبب بعيني، و إن رأيتني أعود و أرتكب حماقاتي من جديد، فلا تستمع إليّ إن وجدتني أشكو إليك في خطاباتي القادمة.