" أنا من ساعة ما
رجعت مصر و كل الناس بتتدخل في حياة كل الناس بطريقة تضايق
كل الناس"
كل الناس"
بغض النظر إنها جملة لما تسمعها تحسها غريبة،
و تضحك، إلا إننا بقينا بنستخدمها في مواقف كتير في حياتنا اليومية، و ده لإني
أعتقد إن مفيش دولة في العالم ممكن يكون الناس فيها بتتدخل في حياة بعض، قد ما ده
بيحصل عندنا هنا في مصر.
الناس هنا للأسف بقوا شاغلين نفسهم بحياة
غيرهم، أكتر ما بيشغلوا نفسهم بحياتهم هم الشخصية، بيشغلوا نفسهم بظروفك،
بتفاصيلك، بمشاكلك، و يا ريته انشغال من باب الإهتمام، جايز ده اللي بيكون باين من
بره، لكن الواقع، إن ده بيبقى غالبا بيداري وراه
غيرة، أو فضول، أو تشفّي.
يعني مثلا لما واحدة تبقى لسة مارتبطتش، فجأة
تلاقي كل ما حد يشوفها، مايسألهاش غير عن حاجة واحدة بس، " مش حانفرح بيكي
قريب ؟! " و في أي مناسبة مايتقلهاش غير جملة واحدة " عقبالك" أو
"الدور عليكي" كإن كل أهميتها في الحياة إنها تتجوز، غير كدة مالهاش
لازمة.
طيب يعني لو لسة ماتجوزتش، بس ناجحة في
شغلها، تبقى فاشلة ؟ كإنها ماعملتش حاجة في حياتها خالص ؟؟ ليه نظرة الناس لواحدة
تخلّي ثقتها في نفسها تتهز لمجرد إنها لسة ماقبلتش الراجل اللي تحس إنها ممكن تبقى
سعيدة معاه، أو لإن نصيبها لسة ماجاش ؟؟ و هي في إيدها إيه أصلا تعمله ؟ هو مش ده
إسمه نصيب ؟ يعني مش في إيد حد غير ربنا، لا بإيدها، ولا بإيد الناس، ولا أي حد
تاني. و لما تقول إن مفيش حد في حياتها، الرد بيكون حاجة في منتهى الغرابة
"شدّي حيلك" الجملة اللي احتار العلم و العلماء في وجود مفهوم مقنع
ليها، أو تطبيق البنت اللي لسة ماتجوزتش لازم تطبقه أول ما تسمع الجملة دي عشان
تلحق نفسها. يعني إيه شدي حيلك؟ بجد يعني إيه؟؟ تروح تتقدم لواحد مثلا؟ مش من حق
أي حد إنه يحسس واحدة إنها طول ما هي ماتجوزتش، يبقى عندها مشكلة أو عيب لازم تخجل
منه، و لو اتجوزت يبقى هي كده حققت أهم إنجاز في الحياة، و إن أي حاجة حققتها في
حياتها قبل كدة مالهاش لازمة، حتى لو كانت شخصية ناجحة أثرت في اللي حواليها أو في
المجتمع بأي شكل من الأشكال.
المشكلة بقى، إن التدخل، أو عشان أكون أدق،
التطفل ده، مابيقفش لحد كدة، بالعكس، ده ممكن يزيد كمان، بمجرد ما واحدة يعدي
فترة- غالبا مابتبقاش طويلة – على جوازها، تبتدي تتسأل " مفيش حاجة في السكة
؟ " و كل ما الإنجاب إتأخر، الأسئلة تكتر، و بعد ما تبقى حست إنها بعد ما
إتجوزت حاترتاح من أسئلة الناس و فضولهم، يرجعوا تاني يحسسوها إنها عندها مشكلة،
السؤال هنا، ده يخص مين أو يفرق معاهم في إيه؟ محدش قادر يفهم إن دي منطقة شخصية،
و خط أحمر مش من حق أي حد إنه يعديه، مهما كانت درجة قربه، إلا لو صاحب الشأن
سمحله بده.
أيوة على فكرة، ماتخلّوش مجتمع كل حاجة فيه
ماشية بالعكس، ينسيكوا إن لسة من حق الناس إنهم يسمحوا أو مايسمحوش، يقبلوا أو
يرفضوا، مش من حق أي حد إنه يعتبر حياة غيره مشاع، و لا من حق حد إنه يحسس غيره
بنقص نتيجة لمفاهيم مجتمع شايف إن هدف البنت في الحياة يتلخص في الجواز، مع إن مش
كل الجواز بيسعد، في جواز بيطفي، و يكسر النفس، و يشيّل الهم بدري، و حتى لو الشخص
ده فعلا حاسس إن حياته ناقصها حاجة مهمة أو فيها فراغ، فبرضه مش من حق حد إنه
يفكره بوجعه ده كل شوية، سيبوا الناس في حالها، القلوب مقفّلة على بلاوي، مفيش
داعي تفضلوا تنبشوا فيها كل شوية بأسئلة لا حاتقدم ولا حاتأخر ولا حاتفرق معاكوا
في أي حاجة أصلا، و الغريب إن بعد كل الإلحاح ده، يوم ما واحدة تتخطب أو تتجوز، يشيلوها
هم المسئولية و يحسسوها إن طريقها مسدود مسدود !! اُمال كانوا بيلحوا عليها بفكرة
الجواز ليه من الأول؟ مستعجلين على إيه؟ ساعتها باحس قد إيه إهتمامهم ده من الأول
كان كدب، و أسئلتهم دي سببها مش الحب، ده فخ أوله فضول-على سبيل حسن الظن- و آخره
إحباط –على سبيل حسن الظن برضه- في حين إن نفس الناس إللي بيسألوا كل الأسئلة دي
ماحدش بيعرف عنهم حاجة، ولا بيحكوا عن نفسهم أي حاجة، كإن مش من حق حد غيرهم إن
يبقى ليه خصوصياته أو منطقته المحظورة.
ده طبعا غير مثلا الراجل اللي الناس عارفة إن
ظروفه المادية مش قد كده، و يلاقوه مدخل ولاده مدارس كويسة، أو بيسفّرهم، أو بصفة
عامة معيشهم في مستوى أعلى من قدراته المادية، تلاقي اللي يشوفه يقول " هو
بيجيب فلوس لكل ده منين ؟" أو " ده بيدعي الفقر " إيش عرّفك هو عمل
إيه عشان يعيشهم في المستوى ده؟ ما يمكن يكون إستلف أو إشتغل شغل إضافي عشان يزود
دخله بس عشان مايحسسش ولاده إنهم أقل من إللي حواليهم، أصعب حاجة على أي أب إنه يشوف
ولاده نفسهم في حاجة و هو مش قادر يجيبهالهم، فبالتالي مش من حق أي حد إنه يعرف هو
عمل إيه أو جاب الفلوس دي إزاي.
أو لما حد يشوف واحد راكب عربية فخمة أو عايش
كويس، و يبتدي يركز معاه، إشترى بيت جديد فين، أو غيّر عربيته و جاب إيه و بكام،
إيش عرّفك ربنا أخد منه إيه قصاد الفلوس دي؟ ما يمكن يكون عنده مرض خطيرأو مشاكل
مخلياه تعيس في حياته، يمكن يكون ربنا مش مدّيك فلوس قده بس معوض عليك بصحة كويسة
أو عيلة مالية عليك حياتك.
ربنا إسمه العدل، موزع الرزق بالتساوي بين
الناس، كل واحد ليه الأربعة وعشرين قيراط بتوعه، يمكن يكون كل واحد واخدهم بنسب
متفاوتة، بس لو ركزت حاتلاقي إن مستحيل تلاقي حد عنده كل حاجة، ولا حد ماعندوش أي حاجة،
دايما ربنا بيعوض حاجة بحاجة، الصحة، و الجواز، و الفلوس، و الأطفال، وراحة البال،
كل ده رزق، و لكل واحد نصيب من الحاجات دي كلها، ماتركزش غيرك عنده إيه مش عندك، و
دوّر إنت عندك إيه مش عنده، ساعتها حاتحس بالرضا، تحمد ربنا على نعمه، و تبطل تشغل
بالك بحال غيرك.
الشّق التاني بقى من التدخل في حياة الناس،
هو الحكم على الآخرين، إنك تلاقي الناس بتحكم على غيرها من خلال شكلهم، أو ظروفهم،
أو آرائهم في موضوعات معينة، يعني مثلا لو واحدة مش محجبة تبقى متحررة، و لو محجبة
تبقى معقدة، لو واحدة بتلبس براحتها شوية تبقى مش محترمة، و لو ليها صديق قريب يبقى أكيد في بينهم حاجة، ده غير طبعا
إللي اتطلقت، أو اللي لسة ماتجوزتش، أو اللي قلعت الحجاب، كل دي حاجات غالبا بتسيب
إنطباع سلبي عند الناس، فيبدأوا يسنّوا سكاكينهم، ينصبوا المحكمة و يفضلوا يصدروا
في أحكام، السؤال هنا، مين إداهم الحق ده ؟ أنا مش باحلل ولا باحرم أي حاجة، ولا
باقول إيه صح و إيه غلط، بس برضه الناس اللي بتحكم على غيرها عمّال على بطّال كدة،
إيش عرّفهم إنهم صح؟ مش يمكن يكون عندهم آراء غلط همّ كمان؟ و ليه مطلوب من الناس
إنهم يا يمشوا ورا دماغهم يا إما يبقوا من الضالين؟ إنت ماتعرفش غيرك عدى بإيه في
حياته وصّله لحاله اللي مش عاجبك دلوقتي ده، إنت مش نوع لوحدك من البشر أو معصوم
من الخطأ، غرورك و كبرك اللي مخليك تنتقد الناس و تحكم عليهم من برّه، ممكن في يوم
يتقلب عليك و تلاقي نفسك في نفس المواقف و الأوضاع اللي انتقدتها دي و قررت إن
أصحابها قطعا أسوأ منك، تتصرف تصرفات عمرك ما كنت تتخيل إنها تطلع منك، ساعتها
حاتزعل أوي من نفسك و على نفسك، ماتعايرش غيرك بنقصه، أو بذنبه، أو حتى بإختلافه
لو إنت مش فاهمه، سيب كل حاجة في مكانها الطبيعي، إشغل نفسك بحياتك بس و سيب الحكم
لربنا، ربنا مش بيحكم علينا بشكلنا أو مظهرنا، ده بيحكم علينا بأعمالنا و نيّاتنا
و اللي في قلوبنا، ربنا عارف كل حاجة عدّينا بيها، إمتى ظلمنا و إمتى إتظلمنا،
إمتى وجعنا و إمتى إتوجعنا، إمتى غلطنا و إمتى إستقمنا، إمتى ضعفنا و توهنا، و
إمتى وقفنا على رجلينا لحاد ما وصلنا، هو اللي عارف إمتى قصّرنا في حقه و إمتى
سهرنا بندعيه و بكينا و إحنا ساجدين له، ربنا بس هو اللي قادر يقيّم علاقتنا بيه
اللي مهما حاولت تقول رأيك فيها مش حاتعرف عشان عمرها ما تبان بالظاهر، هو بس اللي
يعرف إذا كنا بني آدمين كويسين فعلا ولا لأ، بُص لنفسك كويس و خليك أمين معاها،
قيّم نفسك قبل ما تقيّم غيرك، و ركز في حياتك بدل ما تركز في حياة الناس بطريقة
تضايق كل الناس.
No comments:
Post a Comment