Thursday, 25 August 2016

رسالة إلى القمر

أجلس خلف نافذتي الزجاجية - كعادتي كل ليلة - أراقبك في صمت، أتأمل وجهك المنير و يلح على رأسي ذات السؤال الذي لطالما سألته لنفسي مرارا و تكرارا، منذ لاحظت وجودك و قادني فضولي إليك، لماذا أحببتك ؟

في البداية ظننت أنني أحببتك لبهاءك الأخّاذ، و بعد ذلك ظننت أن السبب وراء ذلك هو أنك تضئ سماءي المعتمة، ترافقني كل ليلة حتى أخلد إلى النوم لأعود و أنتظر رؤياك في الليلة التالية، كعاشقة تنتظر رؤية حبيبها في إطلالته الساحرة، و لكن فيما بعد و بمرور الأعوام، أدركت أن السبب الحقيقي لم يكن هذا ولا ذاك، و لكنه ذلك الشعور الجامح بالأمل الذي يملأني في كل مرة أطالع بها وجهك، و تلك النشوى التي تستأثر على أوصالي حين أتأملك ولا أملك سوى أن أبتسم، أبتسم لأنك انعكاسي، و لأنك مرآتي، و لأنك أنا.

كلما نظرت إليك تترسخ بذهني أكثر و أكثر فكرة أنك تشبهني، نعم، تشبهني كثيرا، و لكنك لا تشبهني أنا فحسب، بل تشبهنا جميعا، تشبهنا نحن، بني البشر، تشبهنا بضوئك الساطع الذي يشوبه الظلام، بوضوحك الذي يعتريه الغموض، و بجمالك الذي يتخلله قبح المجهول، تشبهنا بكل ما تحمله نفوسنا من خلل، كل مانخفيه و ما نظهره، و كل ما تمتلئ به قلوبنا من مشاعر .متناقضة

فكثيرا ما يكون حالنا تماما كحالك، نجمع بين النقيضين في آن واحد، نحب ولا نبوح، نشتاق و نوصد قلوبنا المحترقة على أشواقها، و أحيانا نتوهم أننا في العشق غارقين، و نحن نحاول جاهدين في كل يوم أن نصم آذاننا عن ذلك الصوت الذي يظل يصرخ بنا أن ثمة شئ ما زال ناقصا، نقول أشياء و نجد أنفسنا نفعل نقيضها، نظهر شئ و بداخلنا يكمن ضده، قد نبدو للبعض سعداء، و لكن ما من أحد يدري بتلك الحرب التي نخوضها كل ليلة بمفردنا لنبدو على هذا النحو، كم من الدموع ذرفت أعيننا، و كم من الطاقة إستنفذنا.

أحيانا يتظاهر البعض بالخير، و الشر أصيل بقلوبهم، و قد ينظر البعض لغيرهم على أنهم عصاة، و هم لا يعلمون شيئا عن الإيمان المتوطن بأفئدتهم، فنحن مزيج من الحب و الكراهية، السعادة و الشقاء، الخير و الشر، حائرين بين الإقتراب و النفور، إختيار العقل و اتباع القلب، تارة ضحايا، و تارة مجرمون، هائمون في رحاب الله، الذي هو أكثر منا علما بحالنا، و نحن عن فهم نفوسنا عاجزون، نحن كل ذلك في آن واحد، نجمع بين كل هذه المشاعر المضطربة، و نزج بها في هذا البئر السحيق الذي يدعى القلب، مثلك تماما، تجمع بداخلك بين التجلي الفريد و ظلمة الغموض، و لا يبدو منك سوى كرة مضيئة

تزدحم الأفكار و تتسابق إلى عقلي، و كأنها جميعا قد اجتمعت على قتلي، فأعاود النظر إليك مستغيثة، و يعود ذلك الشعور بالنشوى يداعب قلبي، و تتسلل البسمة من جديد إلى ثغري، و لكن السبب هذه المرة ليس كسابقه، بل هو ضوءك الوهاج الذي أشعر به يطمئنني أن لا تحزني، ألم تنظري إليّ؟ يتبدل بي الحال من يوم إلى آخر،  ما ألبث  أن أغرق في الظلام الدامس، حتى ينقشع الظلام عني، و تتبدد الغيمة شيئا فشيئا، لأعود و أملأ العالم نورا كأني لم أعتم يوما، إنه حالنا جميعا، و أنت كذلك، قريبا سينقشع الظلام عنك و تضيئين كما لم تفعلي من قبل، فالظلام لا يدوم.

أصبحت نظراتي إليك بمثابة رسائل لا يفهمها إلا كلانا، تأتيني و اليأس قد تمكن مني، و وصل بي إلى منتهاه، فأعود مفعمة بالأمل من جديد و كأني لم أحزن يوما، فأبتسم لك ابتسامة عرفان، و أشكر الله الذي صنعك وجعلني أراك كل ليلة، و أتنفس بالإيمان بأن الغد يحمل لي شيئا أجمل.

أتعلم؟ مجنون من ظن أن جمالك في اكتمالك، فإن جمالك يكمن في نقصانك و تقلب أحوالك، بينما أنت لا تزال تبدو جميلا.

أيها القمر، سأعود عن قريب لأخبرك بما يحدث معي، فربما يكون هذا هو خطابي الأول لك، و لكنه قطعا لن يكون الأخير


1 comment: