Wednesday, 2 November 2016

عن الفرص الضائعة

أجلس بغرفتي ليلا و قد خلوت إلى نفسي، و دلفت إلى عالمي الصغير، معلنة بداية محاكمتي اليومية، بتلك المحكمة التي ليس بها سواي، أنا وحدي، لأكون بها قاضيا و متهما، نعم، مازلت أعرّض نفسي بنهاية كل ليلة إلى تلك المسائلة التي تنتهي بكوني تارة بريئة و تارة مذنبة، تجلدني دائما أسواط الضمير، و أسئلته عما يجب و ما يصح، و لكن ماذا عن الأسئلة الأصعب؟ تلك الأسئلة التي تبدأ دائما ب " ماذا لو ؟؟
ماذا عن الفرص الضائعة، و كلمة " لو أن " التي قيلت مرارا و لم تغير من الأمر شيئا ؟ ماذا عما تمنينا أن نفعله و لم نفعل، و ما وددنا أن نبوح به و ظل قيد الكتمان أياما و أعوام ؟

أغمض عيناي و أعود بذاكرتي إلى يوم مازلت أذكره جيدا، ذلك اليوم الذي وضعت به رغبات الآخرين فوق رغباتي، و جعلت من أحلامهم قبرا لأحلامي، كان يجدر بدموعي أن تغرقني ذلك اليوم، بدلا من أن تغرق هي بمقلتاي المختنقة بها، تاركة بحلقي تلك الغصّة التي لم تفارقني منذ ذلك الوقت، كنت أعلم أن ثمة خسارة قد حلّت بي، و لكني لم أكن أعلم كم هي فادحة.

أكانت تلك مرّتي الأولى لأقف أمام شبح الندم وجها لوجه ؟ لا أظن، بل كان هناك مرّات سابقة و مرّات تلتها، و لكن كان هناك دائما صفة واحدة تجمعهم دون إستثناء، أن جميعهم كانوا قصصا تفتقر النهاية، أو ربما أجزاء من مسرحية هزلية لم تكتمل فصولها، لم أكن أعلم آنذاك، أكانت تلك الفصول حقا ناقصة ؟ أم كان يجدر بي أن أعدّها قد إكتملت بمجرد بداية الفصول التالية ؟ لا أدري

أسترجع كل ما مررت به، الصور التي أخذت تمر أمام عيني تباعا، و تلك اللحظات التي وددت بالزمن لو يتوقف بي و بهم، تلك التي كنت بها أضعف مما يجب، و أخرى كنت بها أقوى مما أظن، تلك التي تحدّثت بها حتى نفذت الكلمات، و أخرى تلعثمت بها و تعثّر لساني حتى لم يعد للحديث معنى، و لم يعد من الصمت المطبق مفر، تلك التي أصدرت بها أحكاما بإقصاء بعضهم خارج حدود مملكتي، و كانت بمثابة حكم بالإعدام لطالما أصدرته على نفسي، لحظات الرحيل حين رغبت في البقاء، و لحظات اللقاء التي تمنيت لو لم تكن، النظرات المُختَلَسة و المعاني المستترة، الأنفاس المتلاحقة و العَبَرات الحبيسة، الأصوات المضطربة و نبضات القلب الصاخبة، الضحكات الكاذبة و الأحاديث الخاوية، كل ما لم يُقَدّر له أن يكتمل، و ما إكتمل و لم يكن جدير بالإكتمال

كم من الأسئلة المحيّرة و الإجابات المُبهَمة ؟ كم من الأمور جاءت في غير موعدها ؟ و كم عادت، و لكن عودتها لم تكن لتغير من الأمر شيئا ؟ أَقَدَر هو نسير نحوه بخطى ثابتة مسيرين لا مخيرين ؟ أم هو مجرد سوء التصرّف بأمر إخترناه بمحض إرادتنا، و وجب علينا تحمّل عواقبه ؟ هل كان بإمكاننا أن نغير ما حل بنا في الماضي، أم الأمر كله ما هو إلا قطع لأحجية تكمل بعضها البعض لتجعل منّا ما نحن عليه الآن ؟ مَن الجدير بالندم، و من المَدين بالإعتذار ؟ لا أعلم، و لكن ما أعلمه جيدا، أنني و إن كان لي خطيئة وجب الندم عليها، فخطيئتي هي تلك الفرص الضائعة و سوء تقدير الخسارات فيها، و إن كنت مدينة بالإعتذار، فإعتذاري لنفسي، لا لأحد.

Wednesday, 28 September 2016

و للحواس أيضا ذاكرة

أجلس بغرفتي بعد أن يكون قد انتصف الليل، و القمر أوشك على الإنسحاب عائدا أدراجه، مفسحا المجال لشمس يوم جديد، بينما أنا أتقلب يمينا و يسارا في محاولة بائسة للنوم، و لكن عقلي يأبى، معلنا عصيانه، تاركا إياي وجها لوجه أمام ذاكرتي، تماما كقائد جيش تمرد على حاكمه، فأهدى وطنه للعدو على طبق من فضة، نعم قد تكون ذاكرتي هي عدوي الأول، إن لم تكن عدوي الأوحد.

الأحداث تمر أمام عيني تباعا، الصور تتلاحق، أتوسل لتلك الأصوات العالقة بأذني أن تصمت، و لكن دون جدوى، فأنهض باحثة عن قلمي و حفنة الأوراق التي أتعمد أن أتركها بالقرب مني دائما إستعدادا لهجمات الذاكرة المفاجئة، أو ربما لمواجهة أي نوبة من نوبات الحنين.

أمسك بقلمي الذي ليس لي من منجٍ بهذه الأوقات سواه، و لكني ما ألبث أن أمسك به حتى يصبح كأسير لتوّه قد حطم قيده، فيسترسل و يسترسل، يصرخ و ينزف، ليلطّخ أوراقي البيضاء بحبره الأسود محملا إياها عبء كلماته، و أنين مكتوم بين حروفه و طيات صفحاته.

عقلي تستنزفه الأفكار، صدري قد ضاق بأنفاسه، و ما من سبيل لنجاتي سوى أن أكتب، و ها أنا أكتب :

" أتساءل دائما، كيف يؤذينا من الذكرى الطيب منها و البغيض على حد السواء ؟ ألا يجدر بالذكرى السيئة وحدها أن تؤلمنا، بينما تترك الذكرى الطيبة بدورها أثرها الطيب في نفوسنا ؟
و لكن الواقع أن كلاهما موجع، بل على العكس، قد تؤلمنا الذكرى الطيبة حين نعي أن ما من طريق يعيدها إلينا، فكل السبل مغلقة، و كل الفرص ضائعة، بينما قد نستطيع أن نجد تحت أنقاض الماضي البغيض، أشياء تجعلنا نبتسم رغم الألم، فثمة أخطاء لا نندم على اقترافها، فلربما كانت سر سعادتنا بوقت لم نكن ندرك بعد أنها أخطاء.

ترهق الذكرى أمثالي من البشر، أولئك اللذين يتناسوا ولا ينسون، يتجاهلوا و هم للحقيقة مدركون، يتشبثوا ولا يفلتون، أعلم أنني من خلقت لنفسي من الذكرى أشباحا، و لكن ربما يرجع ذلك إلى إدمان التفاصيل، تلك التفاصيل التي تتسلل إلى قلبي فتسطونه، و تتمكن من عقلي فتستحوذ عليه، فلا أجد نفسي سوى عاجزة، لا قوة لها ولا سلطان على صد ما يلحق بها من أذى إثر ذلك الإدمان.

أتأمل تلك الصور المتناثرة على جدران غرفتي، من وضعها هكذا؟ لا أحد سواي، ظنا مني أن تلك هي الطريقة الأمثل لتخليد اللحظات الفريدة و الأيام الأجمل بحياتي.

إعتدت أن أنظر إلى تلك الصور كلما دلفت إلى غرفتي حتى أصبح يمكنني وصف كل ابتسامة، و كل لفتة بهذه الصور و أنا مغمضة العينين، أنظر إليها و الزهو يملأني، كنت أظن نفسي محظوظة بهم، أما الآن، أصبحت أتحاشى النظر إليها، أنام و قد ولّيت ظهري عنها، لا أعلم سخطا على أصحابها، أم سخطا على نفسي، و إن إلتقت عيناي بها دون قصد، لا أملك سوى أن أبتسم تلك الإبتسامة الساخرة على أيام تبدد كل ما فيها و لم يتبقَ منها سوى عدة  صور.

أعيد النظر إلى أشيائي المبعثرة من حولي، فتصطدم عيناي بأناني العطور الفارغة إلا من بضع قطرات متبقية، أحتفظ بها لأجد دائما ما يحمل لي عبق الأيام كلما اشتقت إليها، أحتفظ بها خوفا من أن تندثر بالهواء كما اندثرت ذكراها من قبل.

لا أعلم كيف تحتفظ أنفي بذاكرة للعطور على مر الأعوام، تلتقطها و تميزها بين العشرات، لدرجة  أصبحت تمكنني من اعتبار العطور بمثابة بصمات لأصحابها، ما تلبث أن تلتقطها أنفي حتى أرى أصحابها يتجسدون أمامي، و تسري بأوصالي رجفة عنيفة يرتعد لها جسدي بأكمله، فأسير بعيدا بعيدا، لا أدري هربا من الذكرى، أم من نفسي، و خوفا من وقوعي تحت سطوة الحنين.

يدفعني الفضول إلى تلك الأدراج المكدسة بأشلاء الماضي، أفتحها لأجد الغبار قد كسى كل ما تحويه، و كأنه يأبى ألا يضعني أمام الحقيقة التي لطالما حاولت تجاهُلها، حقيقة أن تلك الأيام قد انقضت، و لم يعد متبقي منها سوى محتويات هذه الأدراج، من تذاكر للرحلات و القطارات، بعض التذكارات البسيطة التي تكمن قيمتها في شعورك بأنك مررت ببال أحدهم أثناء الغياب و لو لحظات، قطرات قليلة من العطور، و عدة صور.

لا أذكر أنني عدت بيوم من تلك الأيام الفارقة، و لم أحتفظ بشئ يحمل ذكراه مهما كان يبدو بسيطا، حتى أصبحت هذه الأدراج لا تحوي مجرد أوراق متناثرة فحسب، بل تحوي أياما و أعوام.

أعود و أعبث بهاتفي باحثة عن ثمة مقطوعة موسيقية أو أغنية تساعدني على النوم، فلا أجد سوى صوتها الهادئ لينتشلني من ضجيج أفكاري المزعجة، صوت السيدة فيروز، و لكن يأتيني صوتها مباغتا و هي تغرد قائلة:

صباح و مسا شي ما بينتسى
تركت الحب أخدت الأسى 

و كأن كل ما حولي قد اجتمع على أن يفتك بي دون شفقة ولا رحمة، حتى صوتها الحاني بدا لي قاسيا، تُرى ألأن للأصوات و الأغنيات ذاكرة بالآذان أيضا، و الذاكرة لا ترحم ؟ لا أدري، و لكن ثمة أغنيات ترتبط لدينا بالمواقف و الأشخاص، متى استمعنا إليها، و برفقة مَن، أي يوم كان ذلك، و ماذا كنا نرتدي، حتى تصبح بمرور الوقت و كأنها موسيقى لفيلم، و ما ذلك الفيلم سوى حياتنا بإيجاز، حياتنا التي لا تختلف كثيرا  عن الأفلام.

أعلم أن ذاكرتي هي اللعنة التي أصابتني، مازلت أذكر الكلمات كلها، أحفظ التواريخ عن ظهر قلب، الصور تتضاعف، العطور تمتزج و الأصوات تعلو أكثر و أكثر، أخشى يوم أجد الذكريات به قد ازدادت و تراكمت، و أجد نفسي قد صنعت منها بيدي سجنا و قضبانا، سجنا ليس به سواي، أنا وحدي، فأكون به سجينة و سجّانة.

أصبحت أحاول جاهدة ألا تأخذني البدايات، ألا أصنع منها شيئا خاصا، ألا أنبهر، ألا أنتظر أو أتوقع، ألا أضع من أجلها عطرا خاصا، أوألتقط الصور، و ألا أستمع لأغنية دون غيرها حتى لا تكون ذاكرتي حين أرغب في النسيان.

 و أما إن اقترب أحد من عالمي الخاص، فرجاءا قبل أن تقتربوا، ألا تكثروا من التفاصيل، إن لم تكونوا لها أوفياء، و لا تتحدثوا عن الأبدية، إن كان كل شئ سيبقى مؤقتا، و رفقا بالحواس، فللحواس أيضا ذاكرة، و لكن ذاكرتها أعنف و أقسى "

Friday, 2 September 2016

بين عصر السرعة و عشق التفاصيل

 مفيش حد فينا يقدر يقول إننا مش في عصر السرعة, كل حاجة في حياتنا بقت بسرعة، التطور اللي احنا عايشينه خلى كل حاجة بقت سهلة و بسيطة، الدنيا بتجري و الوقت بيعدي هوا، الحب، و الجواز، و الصداقة، كل حاجة، بس السؤال هنا بقى، يا ترى إحنا مبسوطين؟ حاسين بالحياة اللي احنا عايشينها؟ مستطعمين بيها؟ ولا تايهين في الدنيا و دوشتها، و مش بنحس إلا و اليوم بيخلص، و الأسبوع بيمر، و السنين بتعدي

العلاقات بتبدأ بدردشة على الفيس بوك و تنتهي ببلوك، بنعزي و نبارك بلايك، و نعيّد على بعض ببرودكاست، نعمل جروب عشان نتفق على خروجة، و في الآخر أيام الأسبوع كلها ماتنفعش، و نتفق على إننا لازم نظبط حاجة قريب، و نشوف بعض على ،خير إنشاء الله، و حتى لو نجحت المحاولة و اتجمعنا، ساعات كتير نلاقي نفسنا بنقول كلام رتيب عشان نغطي بيه على غرابة القعدة، و ده طبعا في حالة إننا قاعدين بنتكلم يعني، مش ماسكين الموبايلات، و مش بنبص حتى لبعض، ساعتها بنبقى عايزين نسأل نفسنا: طالما القعدة كدة، إحنا نزلنا ليه ؟

ناس كتير أوي فعلا مش سعداء، بس بقوا بيداروا تعاستهم أو وحدتهم  من خلال العالم الإفتراضي ده، بس عشان نقنع الناس إننا مبسوطين، بس المهم إن كل ده يخلينا إحنا نصدق إننا مبسوطين

لكن جرب بقى في وسط قعدة من اللي كله ماسك فيها الموبايلات دي، و فكّر اللي قاعدين معاك بموقف قديم، ضحكة يوم ضحكتوها من قلبكوا، أو يوم حلو من بتوع زمان، مش حاتكمل الجملة إلا و تلاقي كل اللي معاك فاقوا مرة واحدة، و فضلوا يفتكروا حاجات بقالها سنين و سنين

فرحتك و إنت نازل تجيب شنطة المدرسة، الجومة اللي بريحة الفراولة، المسطرة اللي جواها مية و نجوم، الأقلام الملونة و فرحة أول مرة نكتب بالقلم الجاف، الطباشير الملون و الوقفة عالفصل

ليلة الرحلة اللي ماكنش بيجيلنا فيها نوم، كيس الحاجات الحلوة و السندوتشات، بطنك اللي توجعك من الضحك، و رجوع كل واحد بيته و صوته رايح من الغنى في الباص، الدرجات الوحشة في الإمتحانات، و المقالب اللي كنا بنعملها في بعض، حتى التزنيب اللي كان بيقلب بضحك

 شريط عمرو دياب، أيوة شريط، ماهو زمان ماكنش في " سي دي " ولا أغاني بتنزل على النت، أغاني عمرو اللي كنا بنستناها كل صيف لحاد ما بقت مرتبطة عندنا بمواقف، و ذكريات، و وشوش، عمرو دياب ده عمل تاريخ كل واحد من جيلنا، لحاد ما فعلا بقينا بنأرخ كل أحداث حياتنا و حواديتنا تبعا لأغانيه

الصيف كان ليه طعم تاني، اللمة عشان رايحين البحر، و المية اللي كنا مابنطلعش منهل غير بالخناق، السهر للفجر، و لعب الأفلام، و بنك الحظ، و الأونو

الفرحة بلبس العيد، و يوم الوقفة لما كان تليفون البيت يفضل مشغول عشان أمهاتنا بيعيّدوا على القرايب و الجيران، و تكبيرة الصلاة، لمة يوم الجمعة في بيت العيلة، و أول يوم في رمضان، بكار، و سلاحف النينجا، و بوجي و طمطم، المسلسلات الراقية بتاعة زمان، زيزينيا، و هوانم جاردن سيتي، و الضوء الشارد، دقة المسحراتي و طعم القطايف من إيد جدتك، عمك اللي علمك السواقة، و خالتك اللي كانت بتخليكي تحطي ماكياج من عندها

حاجات كتير أوي لو سبت نفسك تفتكرها، حاتلاقي نفسك مش عارف تبطل ضحك، و عينك عمالة تدمع، بس بتبقى مش عارف دي دموع من الضحك، ولا دموع على الأيام اللي راحت و مش راجعة

لو ركزت شوية حاتلاقي إن التفاصيل الصغيرة دي هي اللي كانت عاملة لحياتنا طعم، و حس، و روح، و إن حياتنا دلوقتي رغم كل الرفاهية اللي فيها بس خاوية و فاضية، زي بير المية في وسط الصحرا، تفتكره خير وفير، و في الآخر يطلع مسموم، قدامك، بس لا يبل الريق ولا يروي عطش، عيشة ناعمة تفتكرها ألماظ بيضوي، تقرب منها تلاقيها إزاز و فالصو

مش عارفة إيه العلاقة، بس تحس إن مع تطور الدنيا، الخير بيقل، و الروح بينقص منها حتة،تعالى شوف أيام جدودنا،يمكن ماكنش عندهم كل التسهيلات إللي عندنا دلوقتي، بس كانوا مبسوطين بجد، جرب كدة تقعد جنب جدك أو جدتك و تسمع حكاياتهم زمان، يمكن حاتحس قد إيه حياتهم كانت بسيطة بالمقارنة بحياتنا دلوقتي، بس كمان حاتشوف في عينيهم لمعة واضحة و حنين لأيام هما فعلا كانوا محظوظين بيها، ساعتها حاتحس بسحر غريب يخوّفك لا في يوم تبقى قدهم و في مكانهم، بس عينيك مطفية و مش لاقي حاجة تحكيها

مهما كانت الدنيا واخداك، و بعدت عن أهلك و صحابك القدام، لو سبت نفسك لذكرياتك، و رجعت تفتكر، حاتلاقي نفسك فاكر، فاكر كل حاجة، الأيام و التواريخ، كل حاجة محفورة، الأيام دي هي اللي خليتنا الأشخاص اللي إحنا عليها دلوقتي، و هي كمان اللي بتخلينا نستحمل الأيام الصعبة اللي إحنا عايشينها، و في وسط كل المشاكل و الهم اللي شايلينه، نفتكر و نضحك، نضحك كتير

ماتخليش الحياة الزاهية الملونة تسرق عمرك، و تنسيك إن الأيام دي ألوانها قشرة، مهما كانت أيامك صعبة، ضيف عليها من طعمك إنت، لو مالهاش طعم، إزرع فيها من روحك، و إعشق التفاصيل، إعشقها و حسّها بكل حاجة فيك و لحد آخر نفس، و إن مالقتلهاش تفاصيل، إخلقها إنت بإيديك، إخلقها عشان تعرف تعيش

























Tuesday, 30 August 2016

رسالة إلى القمر 2

أتأمل فنجان قهوتي المسائية، و قد جلست بشرفة غرفتي أنظر إليك من جديد، و أنا واقعة تحت سطوة تلك الخيالات التي سيطرت على عقلي، أرشف منها، ثم أرى طيف وجهه الباهت، يتراقص فوق صفتحها البنية لا أدري لماذا، تُرى ألأنه يشبهها ؟ نعم، أعترف لك أنه يشبه قهوتي كثيرا، و لكنه يشبهها مرارة و إدمانا، أنظر إليك و قد بلغت من الحيرة أوجها، متسائلة، لماذا عاد؟ ألم تكن تراه كما تراني ؟ أكنت تراه ساهرا مثلي، أم غافيا، تاركني أناجيك، بينما هو على النوم قد استحوذ ؟ أتُراه عاد مشتاقا إليّ؟ أم شوقا لمتعة مراوغتي و تعذيبي

 كنت أرى لمعة تضئ عينيه بنفاذ صبري، و شبح ابتسامة يلوح على وجهه، و كأنه يتلذذ باحتراقي.

مازلت أذكر آخر لقاء جمعنا، حين عزم على أن يختبر صبري قائلا: " ما كبريائك سوى قناع زائف، متى تستلمين يا مولاتي ؟ "

و لكنني باغته بردّي قائلة: " تظن أن الأيام ستبقيني على حالي، مخطئٌ أنت، لم تبق الأيام من نفسي القديمة سوى فتاتا و رماد، تقول أنني ملكتك، ثم تسألني الإستسلام، ألا تعلم أن الكبرياء هو تاج الملكات، المرصع بلآلئ العزة و الشموخ؟

لا أنكر عليك أن خلف جدران قلبي، سراديب مكدسة بالأسرار، لم يعد يملك مفاتيحها سواي، و لكن ليس السبيل إلى قلبي أن تخلع عني عباءة الكبرياء، لا تطلب مني أن أدنو بكبريائي إن كنت لن تسمو له، و لا تهدم قلعة قلبي المنيعة و تدلف إلى بساتينها اليانعة إن كنت لن تعتني بزهورها، لا تقول أنني بين الزهور أجملهن، ثم تغتال وريقاتي النضرة و تدهس بقاياها تحت قدميك، تاركا ما تبقى من عطري على أصابعك، كقاتل لم تنجُ ثيابه من آثار جريمته،  لا تقترب من جدران روحي المتصدعة إن كنت لا تنوى ترميم شقوقها، لا تقف بعدستك المكبرة فوق نقصي إن لم تكن لنقصاني مكملا، لا تتحدث إن كنت ستجلدني بأسواط كلماتك، و إن كنت ستلقي على مسامعي معسول كلماتك، ثم تبقى قيد الأساطير، فارحل و كن للرحيل مخلصا، لا تترك لي بكل مكان ذكرى إن كنت ستجعل من تلك الذكريات أشباحا، ولا تترك آثار دفء بصماتك فوق كتفي إن كنت ستحرمني إياه و تترك لي بردا و أشواكا، لا تشتهيني كاشتهاء الفاكهة المحرمة ثم تسأم اقترابي، ولا تعبر حدود مملكتي إن كنت ستدخلها كعابر سبيل و  لن تتخذها وطنا، فإن كنت ترغب أن أكون ملكة على عرش قلبك فعليك أن تكون على شيم الملوك قدير"


بذلك اليوم ظل واقفا أمامي، يحدق بي مشدوها، ثم غادر بعد أن تركته يواجه واقعا لم يكن يوما بحسبانه، واقع أنني لم أعد أنا، و أنه بقلبي لم يعد هو، و أننا لم نعد على سابق عهدنا، بل مجرد اثنان التقيا بنقطة، ثم أكمل كل منهما سيره بالإتجاه المعاكس، ربما يجتمعان مرة أخرى، في زمن آخر, و ربما لا، و لكن الأكيد أن ذكرى لقاءهما ستظل وخزا يؤلم روحيهما شوقا تارة و ندما تارة أخرى حتى آخر الدهر.

انتهيت من قهوتي، و غابت عني خيالات وجهه، و لكني أخشي أن يطاردني بأحلامي، فأعود أصارع خيالاته و قسوة نزاعاتي، نزاع قلب حائر و عقل صارم، و نزاع الحقيقة و التمني، و نزاع يأبى ألا يضعنا سوى بمفترق الطرق، نزاعي الأبدي بيني و بينه.

أيها القمر، كن علينا شاهدا، حتى تُذكرني إن التقيت به في زمن بعيد، و عاد يستدرجني شهد الكلمات -إن كانت ستبقى مجرد كلمات- ، إن رأيتني أنزع عن تاجي درر الشموخ، در وجهك عني، و اطفئ نورك المحبب بعيني، و إن رأيتني أعود و أرتكب حماقاتي من جديد، فلا تستمع إليّ إن وجدتني أشكو إليك في خطاباتي القادمة.

Monday, 29 August 2016

كانت حاتفرق في الوداع

لو كنت بس ساعتها عارف إن دي المرة الأخيرة... مية مية كانت حاتفرق في الوداع جملة في أغنية لمسار إجباري خلتني أركز أوي في الكلام اللي جاي بعدها و أعيدها
كتير بعد ما سمعتها

" لو كنت بس ساعتها عارف إن دي المرة الأخيرة كانت حاتفرق في الوداع "            
سألت نفسي يا ترى لو أنا كان عندي الفرصة إني أبقى عارفة إن في حاجة حاعملها أو حد حاشوفه لآخر مرة, كنت حاستغل الفرصة دي إزاي و أنا عارفة إنها فرصتي 
الأخيرة ؟؟

فضلت أفكر يا ترى كنت حاعمل إيه أو مين اللي كان حايبقى فارق معايا وقتها, يمكن كنت هاحاول أخلي الوقت مايسرقنيش و أنا مقصرة في حق ربنا, يمكن كنت حاوصل أكتر للناس اللي بحبها إني بحبها من غير ما أعتمد إنهم أكيد فاهمين, لإن للأسف ساعات الإعتماد على المبدأ ده بيخلينا ننسى نعبر أو نهتم لحاد ما الحب ده يبتدي يموت جوة قلوب حبايبنا بالتدريج بسببنا و احنا مش حاسين, كنت حاكلم صحابي اللي بقالي كتير ماشوفتهومش و أقولهم إنهم وحشوني من غير ما أفكر إمتى آخر مرة اتكلمنا ولا مين آخر مرة سأل عالتاني, كنت حاقف عند كل الأبواب المواربة اللي مشيت و أنا مش عارفة هي مقفولة ولا مفتوحة, يمكن أبواب منها كنت حافتحها على آخرها و أبواب تانية كنت حاقفلها و أرمي مفتاحها, كنت مش حاعمل حاجة غير اللي أنا حساه و مؤمنة بيه و مستعدة أعافر و استقتل عشان بس أوصله , كنت حاروح الأماكن اللي باحبها و اعمل الحاجات اللي كان نفسي أعملها من زمان.  

حاجات كتير فضلت أفكر و أعيد حساباتي فيها و أنا باتفرج على كل حاجة حصلتلي في حياتي كإني باتفرج على فيلم سينما, و من فكرة لفكرة وصلت للحاجة اللي خلتني أفكر في الموضوع ده لأول مرة, موضوع آخر مرة اللي بتفرق في الوداع.

أول مرة ماكنتش لما سمعت الأغنية, الأغنية فكرتني بيها بس أو بمعنى أصح جت عالجرح, أول مرة كانت من سنتين تقريبا بعد ما حصلتلي الحاجة اللي خلتني أغير كل طريقة تفكيري من بعدها.

كان عندي واحدة صاحبتي كنت بحبها أوي, كنا صحاب بقالنا سبع سنين, يمكن ماكنتش أقرب صاحبة ليا بس كنا صحاب, بنخرج مع بعض كل فترة, و نسأل على بعض دايما, فضلنا محافظين على ده سنين و لما اتخرجنا بقينا بنتقابل في مناسبات أكتر, مرة خطوبة و مرة فرح, بعدها قعدت فترة طويلة معرفش عنها حاجة, بطلت تسأل و أنا كمان بطلت أسأل, مكنتش زعلانة منها بس كنت فاهمة إن كل واحد بقى مشغول في حياته خصوصا بعد ما اتخرجنا و اشتغلنا, لحاد ما في يوم و أنا قاعدة قدام الفيس بوك قريت حاجة مافهمتهاش " توفيت إلى رحمة الله صديقتنا.... و العزاء غدا "                         

مش فاكرة قريت الجملة دي كام مرة و في كل مرة و أنا بقراها أدعي في سري إني أبقى فاهمة حاجة غلط أو في غلطة مكتوبة في الخبر, و فضلت دقايق تقيلة تعدي عليا ببطء و أنا قاعدة في مكاني مستنية الغلطة تتصلح, بس الغلطة ماتصلحتش لإنها أصلا ماكانتش غلطة و فجأة لقيت نفس الجملة المشئومة عمالة تتكرر و الخبر يتأكد, و لقيت نفسي قدام واقع أبشع من إن عقلي يصدقه " أنا صاحبتي ماتت "

عشت بعدها فترة من أصعب فترات حياتي, فضلت أحاول أفتكر إمتى آخر مرة شوفتها, اكتشفت إنها كانتمن تسع شهور, اكتشفت إنها لما بطلت تسأل ماكنش عشان مشغولة, كانت تعبانة و أنا عشان كنت مابسألش فمعرفتش, ضميري أنبني أوي, حسيت إني كان نفسي أقولها إنها غالية عندي أوي, إنها من أحسن الناس اللي عرفتها في حياتي, بس عامة مش غريبة إنها سابتنا بدري عشان هي راحت مكانها الطبيعي, هي ملاك سابنا و راح الجنة.

سألت نفسي بعدها هو أنا ليه اما لقيتها اختفت بطلت أسأل عليها أنا كمان؟ ليه مافكرتش أطمن عليها؟ مش يمكن يكون في حاجة حصلت؟                            

بس الإجابة اللي جاوبتها على الأسئلة دي ماريحتنيش دي زعلتني من نفسي أكتر,  ماكنتش بسأل عشان عارفة إنها موجودة !! و من ساعتها و أنا أخدت عهد علىنفسي إني حاعبر عن كل اللي جوايا و أقول و أعمل كل اللي أنا حساه من غير ما أكابرأو ألجم نفسي فيه .

هي دي مشكلتنا, إننا بنستسهل, بنستسهل نبعد, بنستسهل نبقى أغراب عن بعض بحجة مشاغل الحياة و الظروف, و ناسيين إن احنا مش دايمين ولا اللي حوالينا دايمين لنا فبنفوق بس متأخر أوي بعد ما نبقى أخدنا الدرس, الدرس اللي بيعلم فينا قبل ما يعلمنا.
الموضوع مش مقتصر عالموت بس, الموت مثال بس للفقدان اللي ليه صور كتير أوي, كام واحد بيبقى في حد غالي عنده و لما بيروح بيحس إنه ماشبعش منه؟ إنه مداهوش حقه؟ كام واحد بعد عن صاحب عمره و بعدها اكتشف إنه عدى بحاجة كان لازم يبقى جنبه فيها و سند ليه ؟ كام واحد حب واحدة و ماقالهاش لحاد ما ضاعت من إيده؟ كام واحد كان نفسه في حاجة و ماعملهاش؟ و فضل يأجل فيها و فاق بعد ما عمره اتسرق منه و حس إن عمره ما عاش حياته ولا عمل الحاجة اللي تسعده؟ ليه بنأجل؟ ليه بنبعد؟ ليه بنستسهل؟ ليه فاكرين إن كل حاجة حاتفضل مستنيانا؟ ليه بنعمل في بعض كده؟ ليه بقى عادي إننا نوجع و نخسر بعض بمنتهى البساطة و مش بنسامح ولا بنقول إننا بنحب بنفس البساطة؟

لو كنت قلت  للبنت اللي بتحبها إنك بتحبها كان ممكن تستناك لو فعلا هي كمان بتحبك, مين قالك إنها ماكانتش مستنية كلمة منك تطمنها؟ مين قالك إنك ماكنتش كل حاجة بتتمناها و انت خذلتها بسكوتك؟                                                   

لو كنت في وسط الخناقة قلت إنك زعلان بس اللي بينكوا أكبر من أي حاجة حصلت ماكنتش خسرت صاحب عمرك.                                                  

لو كنت بتسأل على اللي بيوحشك لما تحس بكده من غير ما تكابر أو تحسبها أو حتى تأجل عشان مشغول ماكانش راح من غير ما تودعه.                             

مرة قريت جملة على قد ما هي توجع للأسف صح جدا ,بتقول إن الورد اللي بيبقى على قبر المتوفي بيبقى أكتر بكتير من كل الورد اللي جاله و هو عايش, لإن وقتها بيبقى إحساس اللي حواليه بالندم بعد ما مات أكبر من إحساسهم بالعرفان نحيته و هو عايش..    

لو كنت عملت الحاجة اللي بتحبها من الأول و مامشيتش ورا كلام الناس ماكنتش حسيت إن عمرك ضاع عالفاضي, النجاح مش إنك تبقى دكتور أو مهندس و انت شايل هم إنك تروح الشغل كل يوم, إنت ممكن تبقى بتشتغل حاجة أبسط من كده بكتير و تحس إنك أنجح إنسان في العالم, لإن إنك تبقى راضي عن نفسك و عن حياتك ده نجاح, إنك تأثر في اللي حواليك و يفضلوا فاكرينك بعمل عملته أو حاجة اتعلموها منك ده نجاح, إنك توصل للسعادة اللي انت طول عمرك بتتمناها و بتدور عليها ده أكبر نجاح.

مفيش حاجة في الدنيا حاتستناك لو فضلت سلبي و متواكل, اللي انت عايزه و ماخدتوش بإيدك حاييجي غيرك و ياخده و انت قاعد بتتفرج عليه, الزمن عمره ما حايقف, ماتسيبش نفسك لحاد ما تندم على حاجة ماعملتهاش أو غلطة ماصلحتهاش, ماتضيعش وقت و إنت حابس مشاعرك جواك, قول كل الكلام اللي واقف على لسانك و إنت ملجمه, خليك عارف إن كلمة واحدة ممكن تغير حكايتك كلها, ماتخليش نفسك تعيش ندمان إنك ماقولتهاش, إعمل كل حاجة حاسس إن قلبك حايقف لو ماعملتهاش, صدق الصوت اللي جاي من جواك و انت بتحاول تسكته, ده أكتر حاجة لازم نصدقها و نمشي وراها, حب نفسك للدرجة اللي تخليك مش مستعد تتنازل ولو عن جزء من سعادتك مهما كان السبب, و حب اللي حواليك للدرجة اللي تخليك تعمل أي حاجة عشان بس تسعدهم,من غير تفكير كتير ولا حسابات, الحسابات اللي بتخلي كل حاجة في الدنيا ملهاش طعم, عيشوا كل حاجة في حياتكم كإنها آخر مرة, لو فكرتوا كده حاتلاقوا نفسكم بتعملوا المستحيل عشان تستمتعوا بكل لحظة في حياتكم و ماتندموش على الفرصة الأخيرة اللي ضاعت منكم, ماتسيبوش الزمن يسرقكوا و تعيشوا بعدها في عذاب ضمير أو ندم أو زعل على حاجة عمرها ما حاترجع ولا ممكن تتغير مهما حصل, الزمن مابيرجعش لورا فخليكوا متأكدين إن كل خطوة حتاخدوها عمركم ما حاتندموا عليها لإن ده الإحساس اللي مفيش حد مهما كانت قوته يقدر يكمل بيه بقية حياته و إلا ماكانتش آخر مرة فرقت في الوداع .. 

" يا كل حاجة كسبتها أو سبتها 
ماقدرتش أشبع منها إكمنها
قالت حانروح من بعض فين
يا ناس يا عبط يا عشمانين
في فرصة تانية لاللقا
بطلوا أوهام بقى
كفاية أحلام و اسمعوا
عيشوا بذمة و ودعوا
كل حاجة بتعملوها
و كل حد بتشوفوه
عيشوا المشاهد كل مشهد 
زي ما يكون الأخير
إشبعوا ساعة الوداع
و احضنوا الحاجة بضمير
ده اللي فاضل مش كتير
ده اللي فاضل مش كتير.."



Thursday, 25 August 2016

رسالة إلى القمر

أجلس خلف نافذتي الزجاجية - كعادتي كل ليلة - أراقبك في صمت، أتأمل وجهك المنير و يلح على رأسي ذات السؤال الذي لطالما سألته لنفسي مرارا و تكرارا، منذ لاحظت وجودك و قادني فضولي إليك، لماذا أحببتك ؟

في البداية ظننت أنني أحببتك لبهاءك الأخّاذ، و بعد ذلك ظننت أن السبب وراء ذلك هو أنك تضئ سماءي المعتمة، ترافقني كل ليلة حتى أخلد إلى النوم لأعود و أنتظر رؤياك في الليلة التالية، كعاشقة تنتظر رؤية حبيبها في إطلالته الساحرة، و لكن فيما بعد و بمرور الأعوام، أدركت أن السبب الحقيقي لم يكن هذا ولا ذاك، و لكنه ذلك الشعور الجامح بالأمل الذي يملأني في كل مرة أطالع بها وجهك، و تلك النشوى التي تستأثر على أوصالي حين أتأملك ولا أملك سوى أن أبتسم، أبتسم لأنك انعكاسي، و لأنك مرآتي، و لأنك أنا.

كلما نظرت إليك تترسخ بذهني أكثر و أكثر فكرة أنك تشبهني، نعم، تشبهني كثيرا، و لكنك لا تشبهني أنا فحسب، بل تشبهنا جميعا، تشبهنا نحن، بني البشر، تشبهنا بضوئك الساطع الذي يشوبه الظلام، بوضوحك الذي يعتريه الغموض، و بجمالك الذي يتخلله قبح المجهول، تشبهنا بكل ما تحمله نفوسنا من خلل، كل مانخفيه و ما نظهره، و كل ما تمتلئ به قلوبنا من مشاعر .متناقضة

فكثيرا ما يكون حالنا تماما كحالك، نجمع بين النقيضين في آن واحد، نحب ولا نبوح، نشتاق و نوصد قلوبنا المحترقة على أشواقها، و أحيانا نتوهم أننا في العشق غارقين، و نحن نحاول جاهدين في كل يوم أن نصم آذاننا عن ذلك الصوت الذي يظل يصرخ بنا أن ثمة شئ ما زال ناقصا، نقول أشياء و نجد أنفسنا نفعل نقيضها، نظهر شئ و بداخلنا يكمن ضده، قد نبدو للبعض سعداء، و لكن ما من أحد يدري بتلك الحرب التي نخوضها كل ليلة بمفردنا لنبدو على هذا النحو، كم من الدموع ذرفت أعيننا، و كم من الطاقة إستنفذنا.

أحيانا يتظاهر البعض بالخير، و الشر أصيل بقلوبهم، و قد ينظر البعض لغيرهم على أنهم عصاة، و هم لا يعلمون شيئا عن الإيمان المتوطن بأفئدتهم، فنحن مزيج من الحب و الكراهية، السعادة و الشقاء، الخير و الشر، حائرين بين الإقتراب و النفور، إختيار العقل و اتباع القلب، تارة ضحايا، و تارة مجرمون، هائمون في رحاب الله، الذي هو أكثر منا علما بحالنا، و نحن عن فهم نفوسنا عاجزون، نحن كل ذلك في آن واحد، نجمع بين كل هذه المشاعر المضطربة، و نزج بها في هذا البئر السحيق الذي يدعى القلب، مثلك تماما، تجمع بداخلك بين التجلي الفريد و ظلمة الغموض، و لا يبدو منك سوى كرة مضيئة

تزدحم الأفكار و تتسابق إلى عقلي، و كأنها جميعا قد اجتمعت على قتلي، فأعاود النظر إليك مستغيثة، و يعود ذلك الشعور بالنشوى يداعب قلبي، و تتسلل البسمة من جديد إلى ثغري، و لكن السبب هذه المرة ليس كسابقه، بل هو ضوءك الوهاج الذي أشعر به يطمئنني أن لا تحزني، ألم تنظري إليّ؟ يتبدل بي الحال من يوم إلى آخر،  ما ألبث  أن أغرق في الظلام الدامس، حتى ينقشع الظلام عني، و تتبدد الغيمة شيئا فشيئا، لأعود و أملأ العالم نورا كأني لم أعتم يوما، إنه حالنا جميعا، و أنت كذلك، قريبا سينقشع الظلام عنك و تضيئين كما لم تفعلي من قبل، فالظلام لا يدوم.

أصبحت نظراتي إليك بمثابة رسائل لا يفهمها إلا كلانا، تأتيني و اليأس قد تمكن مني، و وصل بي إلى منتهاه، فأعود مفعمة بالأمل من جديد و كأني لم أحزن يوما، فأبتسم لك ابتسامة عرفان، و أشكر الله الذي صنعك وجعلني أراك كل ليلة، و أتنفس بالإيمان بأن الغد يحمل لي شيئا أجمل.

أتعلم؟ مجنون من ظن أن جمالك في اكتمالك، فإن جمالك يكمن في نقصانك و تقلب أحوالك، بينما أنت لا تزال تبدو جميلا.

أيها القمر، سأعود عن قريب لأخبرك بما يحدث معي، فربما يكون هذا هو خطابي الأول لك، و لكنه قطعا لن يكون الأخير


عن الناس اللي بتتدخل في حياة كل الناس

" أنا من ساعة ما رجعت مصر و كل الناس بتتدخل في حياة كل الناس بطريقة تضايق 
كل الناس"

بغض النظر إنها جملة لما تسمعها تحسها غريبة، و تضحك، إلا إننا بقينا بنستخدمها في مواقف كتير في حياتنا اليومية، و ده لإني أعتقد إن مفيش دولة في العالم ممكن يكون الناس فيها بتتدخل في حياة بعض، قد ما ده بيحصل عندنا هنا في مصر.
الناس هنا للأسف بقوا شاغلين نفسهم بحياة غيرهم، أكتر ما بيشغلوا نفسهم بحياتهم هم الشخصية، بيشغلوا نفسهم بظروفك، بتفاصيلك، بمشاكلك، و يا ريته انشغال من باب الإهتمام، جايز ده اللي بيكون باين من بره، لكن الواقع، إن ده بيبقى غالبا بيداري وراه 
غيرة، أو فضول، أو تشفّي.

يعني مثلا لما واحدة تبقى لسة مارتبطتش، فجأة تلاقي كل ما حد يشوفها، مايسألهاش غير عن حاجة واحدة بس، " مش حانفرح بيكي قريب ؟! " و في أي مناسبة مايتقلهاش غير جملة واحدة " عقبالك" أو "الدور عليكي" كإن كل أهميتها في الحياة إنها تتجوز، غير كدة مالهاش لازمة.

طيب يعني لو لسة ماتجوزتش، بس ناجحة في شغلها، تبقى فاشلة ؟ كإنها ماعملتش حاجة في حياتها خالص ؟؟ ليه نظرة الناس لواحدة تخلّي ثقتها في نفسها تتهز لمجرد إنها لسة ماقبلتش الراجل اللي تحس إنها ممكن تبقى سعيدة معاه، أو لإن نصيبها لسة ماجاش ؟؟ و هي في إيدها إيه أصلا تعمله ؟ هو مش ده إسمه نصيب ؟ يعني مش في إيد حد غير ربنا، لا بإيدها، ولا بإيد الناس، ولا أي حد تاني. و لما تقول إن مفيش حد في حياتها، الرد بيكون حاجة في منتهى الغرابة "شدّي حيلك" الجملة اللي احتار العلم و العلماء في وجود مفهوم مقنع ليها، أو تطبيق البنت اللي لسة ماتجوزتش لازم تطبقه أول ما تسمع الجملة دي عشان تلحق نفسها. يعني إيه شدي حيلك؟ بجد يعني إيه؟؟ تروح تتقدم لواحد مثلا؟ مش من حق أي حد إنه يحسس واحدة إنها طول ما هي ماتجوزتش، يبقى عندها مشكلة أو عيب لازم تخجل منه، و لو اتجوزت يبقى هي كده حققت أهم إنجاز في الحياة، و إن أي حاجة حققتها في حياتها قبل كدة مالهاش لازمة، حتى لو كانت شخصية ناجحة أثرت في اللي حواليها أو في المجتمع بأي شكل من الأشكال.

المشكلة بقى، إن التدخل، أو عشان أكون أدق، التطفل ده، مابيقفش لحد كدة، بالعكس، ده ممكن يزيد كمان، بمجرد ما واحدة يعدي فترة- غالبا مابتبقاش طويلة – على جوازها، تبتدي تتسأل " مفيش حاجة في السكة ؟ " و كل ما الإنجاب إتأخر، الأسئلة تكتر، و بعد ما تبقى حست إنها بعد ما إتجوزت حاترتاح من أسئلة الناس و فضولهم، يرجعوا تاني يحسسوها إنها عندها مشكلة، السؤال هنا، ده يخص مين أو يفرق معاهم في إيه؟ محدش قادر يفهم إن دي منطقة شخصية، و خط أحمر مش من حق أي حد إنه يعديه، مهما كانت درجة قربه، إلا لو صاحب الشأن سمحله بده.

أيوة على فكرة، ماتخلّوش مجتمع كل حاجة فيه ماشية بالعكس، ينسيكوا إن لسة من حق الناس إنهم يسمحوا أو مايسمحوش، يقبلوا أو يرفضوا، مش من حق أي حد إنه يعتبر حياة غيره مشاع، و لا من حق حد إنه يحسس غيره بنقص نتيجة لمفاهيم مجتمع شايف إن هدف البنت في الحياة يتلخص في الجواز، مع إن مش كل الجواز بيسعد، في جواز بيطفي، و يكسر النفس، و يشيّل الهم بدري، و حتى لو الشخص ده فعلا حاسس إن حياته ناقصها حاجة مهمة أو فيها فراغ، فبرضه مش من حق حد إنه يفكره بوجعه ده كل شوية، سيبوا الناس في حالها، القلوب مقفّلة على بلاوي، مفيش داعي تفضلوا تنبشوا فيها كل شوية بأسئلة لا حاتقدم ولا حاتأخر ولا حاتفرق معاكوا في أي حاجة أصلا، و الغريب إن بعد كل الإلحاح ده، يوم ما واحدة تتخطب أو تتجوز، يشيلوها هم المسئولية و يحسسوها إن طريقها مسدود مسدود !! اُمال كانوا بيلحوا عليها بفكرة الجواز ليه من الأول؟ مستعجلين على إيه؟ ساعتها باحس قد إيه إهتمامهم ده من الأول كان كدب، و أسئلتهم دي سببها مش الحب، ده فخ أوله فضول-على سبيل حسن الظن- و آخره إحباط –على سبيل حسن الظن برضه- في حين إن نفس الناس إللي بيسألوا كل الأسئلة دي ماحدش بيعرف عنهم حاجة، ولا بيحكوا عن نفسهم أي حاجة، كإن مش من حق حد غيرهم إن يبقى ليه خصوصياته أو منطقته المحظورة.

ده طبعا غير مثلا الراجل اللي الناس عارفة إن ظروفه المادية مش قد كده، و يلاقوه مدخل ولاده مدارس كويسة، أو بيسفّرهم، أو بصفة عامة معيشهم في مستوى أعلى من قدراته المادية، تلاقي اللي يشوفه يقول " هو بيجيب فلوس لكل ده منين ؟" أو " ده بيدعي الفقر " إيش عرّفك هو عمل إيه عشان يعيشهم في المستوى ده؟ ما يمكن يكون إستلف أو إشتغل شغل إضافي عشان يزود دخله بس عشان مايحسسش ولاده إنهم أقل من إللي حواليهم، أصعب حاجة على أي أب إنه يشوف ولاده نفسهم في حاجة و هو مش قادر يجيبهالهم، فبالتالي مش من حق أي حد إنه يعرف هو عمل إيه أو جاب الفلوس دي إزاي.

أو لما حد يشوف واحد راكب عربية فخمة أو عايش كويس، و يبتدي يركز معاه، إشترى بيت جديد فين، أو غيّر عربيته و جاب إيه و بكام، إيش عرّفك ربنا أخد منه إيه قصاد الفلوس دي؟ ما يمكن يكون عنده مرض خطيرأو مشاكل مخلياه تعيس في حياته، يمكن يكون ربنا مش مدّيك فلوس قده بس معوض عليك بصحة كويسة أو عيلة مالية عليك حياتك.

ربنا إسمه العدل، موزع الرزق بالتساوي بين الناس، كل واحد ليه الأربعة وعشرين قيراط بتوعه، يمكن يكون كل واحد واخدهم بنسب متفاوتة، بس لو ركزت حاتلاقي إن مستحيل تلاقي حد عنده كل حاجة، ولا حد ماعندوش أي حاجة، دايما ربنا بيعوض حاجة بحاجة، الصحة، و الجواز، و الفلوس، و الأطفال، وراحة البال، كل ده رزق، و لكل واحد نصيب من الحاجات دي كلها، ماتركزش غيرك عنده إيه مش عندك، و دوّر إنت عندك إيه مش عنده، ساعتها حاتحس بالرضا، تحمد ربنا على نعمه، و تبطل تشغل بالك بحال غيرك.

الشّق التاني بقى من التدخل في حياة الناس، هو الحكم على الآخرين، إنك تلاقي الناس بتحكم على غيرها من خلال شكلهم، أو ظروفهم، أو آرائهم في موضوعات معينة، يعني مثلا لو واحدة مش محجبة تبقى متحررة، و لو محجبة تبقى معقدة، لو واحدة بتلبس براحتها شوية تبقى مش محترمة، و لو ليها صديق  قريب يبقى أكيد في بينهم حاجة، ده غير طبعا إللي اتطلقت، أو اللي لسة ماتجوزتش، أو اللي قلعت الحجاب، كل دي حاجات غالبا بتسيب إنطباع سلبي عند الناس، فيبدأوا يسنّوا سكاكينهم، ينصبوا المحكمة و يفضلوا يصدروا في أحكام، السؤال هنا، مين إداهم الحق ده ؟ أنا مش باحلل ولا باحرم أي حاجة، ولا باقول إيه صح و إيه غلط، بس برضه الناس اللي بتحكم على غيرها عمّال على بطّال كدة، إيش عرّفهم إنهم صح؟ مش يمكن يكون عندهم آراء غلط همّ كمان؟ و ليه مطلوب من الناس إنهم يا يمشوا ورا دماغهم يا إما يبقوا من الضالين؟ إنت ماتعرفش غيرك عدى بإيه في حياته وصّله لحاله اللي مش عاجبك دلوقتي ده، إنت مش نوع لوحدك من البشر أو معصوم من الخطأ، غرورك و كبرك اللي مخليك تنتقد الناس و تحكم عليهم من برّه، ممكن في يوم يتقلب عليك و تلاقي نفسك في نفس المواقف و الأوضاع اللي انتقدتها دي و قررت إن أصحابها قطعا أسوأ منك، تتصرف تصرفات عمرك ما كنت تتخيل إنها تطلع منك، ساعتها حاتزعل أوي من نفسك و على نفسك، ماتعايرش غيرك بنقصه، أو بذنبه، أو حتى بإختلافه لو إنت مش فاهمه، سيب كل حاجة في مكانها الطبيعي، إشغل نفسك بحياتك بس و سيب الحكم لربنا، ربنا مش بيحكم علينا بشكلنا أو مظهرنا، ده بيحكم علينا بأعمالنا و نيّاتنا و اللي في قلوبنا، ربنا عارف كل حاجة عدّينا بيها، إمتى ظلمنا و إمتى إتظلمنا، إمتى وجعنا و إمتى إتوجعنا، إمتى غلطنا و إمتى إستقمنا، إمتى ضعفنا و توهنا، و إمتى وقفنا على رجلينا لحاد ما وصلنا، هو اللي عارف إمتى قصّرنا في حقه و إمتى سهرنا بندعيه و بكينا و إحنا ساجدين له، ربنا بس هو اللي قادر يقيّم علاقتنا بيه اللي مهما حاولت تقول رأيك فيها مش حاتعرف عشان عمرها ما تبان بالظاهر، هو بس اللي يعرف إذا كنا بني آدمين كويسين فعلا ولا لأ، بُص لنفسك كويس و خليك أمين معاها، قيّم نفسك قبل ما تقيّم غيرك، و ركز في حياتك بدل ما تركز في حياة الناس بطريقة تضايق كل الناس.

خواطر منتصف الليل

 أبدأ رحلتي مع خواطر منتصف الليل في الساعات القليلة التي تسبق الفجر عندما أخلو بنفسي في غرفتي، و أخلد إلى فراشي في انتظار النعاس، لعله يغلب عيناي اليقظتين إثر المعركة اليومية بين عقلي المنهك، و قلبي المضطرب، المعركة التي تبدأ بتسارع الأفكار إلى عقلي لتستنفذ ما تبقى لديه من قدرة على التفكير، و تسلل المشاعر إلى قلبي في مكر، و غالبا ما تنتهي عند سماع آذان الفجر لأنهض من فراشي و قد أعلنت استسلامي، و باءت جميع محاولاتي  للهرب من تلك الأفكار التي تحكم قبضتها على أنفاسي بالفشل.
 لذا عزمت على أن أتحد مع قلمي حتى أتخلص من تلك الأفكار و أفرغها على أوراقي، عساها ترحمني، و تطلق سراح قلبي و عقلي -تماما كعدو يصدر الأمر بالعفو عن أسيره-، و لا تفتك بي أكثر من ذلك.
قد تتشابه أفكاري مع بعضكم، و قد لا تتشابه، و ربما تعني تلك الأفكار البعض، ولا تعني آخرين، و لكن بالتأكيد أن ما من أحد لا تعصف به مثل هذه الأفكار من أحلام و ذكريات و أحيانا كوابيس، في الساعات الأخيرة من الليل ليقع فريسة لخواطر مثل التي أكتبها الآن، خواطر منتصف الليل